كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

تبحث عن أصحابها خلال الأنقاض، ولو استطاعت البكاء لبكت في هذه المأساة دماً.
لقد رقّت قلوب الكلاب ولم ترقّ قلوب المستعمرين، لقد صارت الكلاب أكثرَ إنسانية من قوم روسو وموسّه ولامارتين.
إنهم كلّما انهزموا انتقموا من القرى، فيطوّقون القرية ثم يأخذون الرجال فيعذّبونهم (كما يفعل اليوم الأنذال المسوخ من جند ما يُدعى بدولة إسرائيل). يبتدعون طرقاً في التعذيب لا تعرفها الأبالسة، ويذبحون الأطفال أمام آبائهم ويعتدون على نسائهم أمامهم، ثم يقتلونهم جميعاً.
أخذ المجاهدون أصابع من الديناميت من منجم العالية فدُمّرت القرية كلها وأُبيدَ أهلها. وكانت خصومة (خناقة) بين خبّاز فرنسي ورجل من العرب في قرية ابن غانم، فصيّروها قضية ثورة وجهاد، وسُعِي بها إلى المستعمرين فأبيدت القرية كلها بالمدافع.
وقُتل رئيس الشرطة في قسنطينة فقتل ابنُه ستّة من العرب بالسلاح الرسمي وجرح أربعة، فاختارت السلطات المستعمرة ثلاثة عشر من كبار أهل البلد، منهم الأديب المعروف مدير جريدة «الشعلة» وعضو جمعية العلماء أحمد رضا حوحو ومنهم نواب في المجلس البلدي، وساقوهم مشياً إلى المعتقل. ثم رأوا أن الاعتقال والتحقيق أمر متعِب فقتلوهم جميعاً بلا محاكمة ولا تحقيق!
يا سادتي، إن المصائب حينما تكبر يعجز الفكر عن تصوّرها،

الصفحة 78