كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

الليل أو النهار، فجأة بلا إنذار، بحجّة التفتيش عن المجاهدين. وتصوّروا ما يكون من سرقات وما يكون من فجور. ونحن العرب قد نصبر على كل شيء ولكن لا نصبر على المساس بالعرض، وهذه حقيقة لا تفهمها فرنسا لأنه ليس في لغة فرنسا كلمة تُترجَم بها كلمة العرض، لأنهم ليس لهم أعراض.
فهل تستطيعون أن تأكلوا وتشربوا، وتلهوا وتلعبوا، وتغنّوا وتطربوا، وإخوانكم في الجزائر يقاسون هذه الأهوال؟ لو كان في الطريق قطّة تموء من الألم أو كان عند الجيران عامل يضرب بالمطرقة لما قدرتم على المنام. أفتنامون وفي الجزائر إخوة لكم يهتفون بكم وينتظرون العون منكم؟ أتنامون والمدافع تضرب من حولكم؟
إن في الجزائر إخوة لكم يعيشون في الموت ويموتون في الحياة.
لا أريد أن تنشروا المناديل وتستدرّوا الدموع، ولا أريد أن تصعّدوا الزفرات وتنفثوا الآهات. لا، فليس إخوانكم هناك هلكى يستَجْدون الدمع، بل هم بحمد الله أبطال يطلبون المدد. إنهم أقوياء بالله ثم بكم، فإن نصرتموهم اليوم بأموالكم طهّروا الجزائر من أرجاس الاستعمار، ثم جاؤوا يعينونكم على تطهير القدس من نجس إسرائيل.
إن فرنسا تعرفهم وتعرف بطولتهم؛ إن كلّ نصر نالته فرنسا خلال القرن الذي مضى من صنع أيديهم هم، وهذه حقيقة يُقِرّ بها تاريخ فرنسا. إن معركة «المارْن» التي يجعلها الفرنسيون مدار

الصفحة 80