كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

فخرهم ومسار ذكرهم إنما كسبها الجنود الجزائريون.
(إلى أن قلت): كان الجزائريون في هذه الحرب الأخيرة في فم المدفع وكانوا في وجه النار، وبذلوا لقضية الحلفاء مالم يبذل مثلَه شعب. إنهم تدرّبوا في جيش فرنسا، ولكن ليس لفرنسا عليهم فضل فقد دفعوا أجرة التدريب. ما دفعوا مليوناً وربع مليون فرنك، لا يا سادة، بل مليوناً وربع مليون روح بشرية سيق أصحابها لإزهاقها جبراً من أجل فرنسا. لقد جاؤوا اليوم يتقاضون بعض هذا الدين.
إن الفرنسيين يخشون المجاهدين لأنهم عرفوهم، ونحن لم نعُد نخشى فرنسا لأننا عرفناها!
يا أهل الشام، هذا «أسبوع الجزائر». الجزائر تناديكم: المجاهد الذي نفدت ذخيرته وأحاط به أعداؤه وتلقّفَته نيرانهم يسقط وهو يهتف بكم ويناديكم. المرأة التي أرادوها على الخَنا وأبَت إلاّ العفاف وفقدت من حولها النصير تفكّر فيكم وتناديكم. الطفل الذي خرج من المأساة وحيداً قد نجا بأعجوبة من أعاجيب القدر يمشي يتعثّر جائعاً ويمدّ يده من وراء حُجُب الصحارى والبيد يناديكم.
تناديكم أمجاد الماضي وآمال المستقبل. العروبة تناديكم والأُخُوّة، والكعبة التي تتوجّهون إليها والأرض والسماوات، فاسمعوا النداء. نداء الأرض الحُرّة التي أراد أن يستعبدها الظالمون، نداء العرض المصون الذي يعدو عليه الظالمون، نداء الدين والفضيلة والشرف والإنسانية.

الصفحة 81