كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

في «الرسالة» مقالات كثيرة.
والمرة الثالثة التي زرت فيها فلسطين كانت لمّا ذهبت إلى مصر سنة 1945، والرابعة بعدها بقليل لمّا أوفدَتني وزارة العدل في دمشق إلى وزارة العدل في القاهرة فأقمت فيها سنة، وكان لي فيها (أي في مصر) مكتب في إدارة التشريع، وحضرت بعض جلسات اللجان القانونية الشرعية، وعرفت الرجل العالم القانوني الشيخ محمد فرج السنهوري وتوثّقَت الصلة به في داره في حيّ السيدة وفي مكتبه في الوزارة. وعرفت جلّة من القُضاة والعلماء منهم المحدّث الثقة والكاتب البليغ الشيخ أحمد شاكر، أمّا أخوه الأستاذ محمود شاكر فعرفته وصادقته من يوم رأيته عند خالي مُحبّ الدين في المطبعة السلفية في شارع الاستئناف من أكثر من خمسين سنة، وجالسته عشرات من المرات في مصر عند خالي وعند الزيات وفي داره في مصر الجديدة (إن صحّ ما أذكر) وفي داري في الشام وفي مكّة هنا. وهو رجل لم يبقَ له في بابَته نظير. وكنّا نصطدم ونتجادل ونتصاول تصاوُل الأعداء ثم نفترق تفرّق الأصدقاء، وأنا أُحِبّه وأُجِلّه وأعرف له فضله.
زياراتي لفلسطين لا أستطيع أن أُحصيها، وكانت آخر مرة رأيتها فيها سنة 1947، وكان قد اتّسع بنيانها وامتدّت أطرافها. وصعدت جبل الكرمل في حيفا الذي صار فيه أحياء جديدة وامتلأت الأحياء بالبيوت الأنيقة، وكانت الحافلات (الباصات) تصل إلى أعلاه. ولكني لمست أثر اليهود في الرجس الذي بثّوه في أرجائها، حتى إنني لمّا ذهبت أسأل عن فندق مناسب قال لي المسؤول: أتريد فندقاً للنوم أم لـ ... وأشار بيده إشارة قرنها ببسمة

الصفحة 92