كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

من فيه. قلت: ما أدركت ما تريد. قال: تريد فندقاً ببنات أم بلا بنات؟ فتركته وانصرفت عنه وحسبته يمزح معي أو يسخر مني.
ولكني لمّا ولجت كثيراً من الفنادق دخلتها لأختار واحداً منها، رأيت بنات جالسات كأنهنّ من نزيلات الفندق، وعلمت بعدُ أنّهُنّ يهوديات، ثم خبّروني أن من شاء أشار بيده إلى واحدة منهنّ دلّ عليها كاتب الفندق، فذهب معها نصف ساعة إلى غرفتها أو ذهبَت معه ليلة أو بعض ليلة إلى غرفته.
بغاء مُعلَن وعهر ظاهر! فماذا أصنع؟ أأبيت في فندق فيه مومس وأنا قاضٍ شرعي وكاتب يدعو إلى الدين والعفاف؟ وجُلت في البلدة القديمة، قلت: أضيّع الوقت حتى أجد مكاناً مناسباً أنزل فيه. فمررت بسوق الخضر ورأيت أكوام القمامة والخضر فاسدة رائحتها تملأ المكان، فسألت: ما هذا؟ وأين البلدية؟ قالوا: إن البلدية تنظف الأحياء اليهودية والجديدة وتُهمِل الأحياء الإسلامية، تدعها فلا تلتفت إليها. فقلت: أما في البلد علماء؟ أما فيه جمعيات إسلامية تُعنى بالإصلاح؟ قالوا: بلى، هذه الجمعية الخيرية.
وأشاروا إلى مكان قريب منّا، فصعدت سُلّماً فإذا أنا في رحبة متّسعة فيها الأعضاء مجتمعون، عرفت منهم الشيخ نمر الخطيب ولكنه لم يعرفني. فوصفت لهم ما رأيت من القذارة المعنوية في الفنادق والقذارة المادّية في السوق، وحملت عليهم حملة منكَرة، ونفثت ما في صدري ونفّست بذلك عن نفسي، وبدا لي أنني أوجعتهم بالكلام فاعتذروا بأنهم لا يملكون شيئاً،

الصفحة 93