كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

وذكروا اليهود والإنكليز.
والإنكليز رأس كل بلاء رأيناه، وهم الذين جاؤوا باليهود وكانوا يحمون اليهود.
قلت: هل يمنعكم الإنكليز واليهود من أن تنبّهوا الناس إلى أن الطهور شطر الإيمان، وأن النظافة من شأن المسلم، وأن إزالة أكوام القمامة من الساحة من شُعَب الإيمان لأن الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق؟ فالذي ينظّف الطريق يكون متمسّكاً بهذه الشعبة من شعب الإيمان ومن يوسخها يكون بعيداً عنها. قالوا: عرّفنا بنفسك، فمن أنت؟ قلت: إن الذي يعنيكم هو ما أقول، فإن كان صحيحاً فاعملوا به ولا يضرّكم أن تجهلوا القائل.
فنظر إليّ الشيخ نمر (وكنت قد لقيته قبل ذلك مرتين) فعرفني. ثم ذهبنا بعد انتهاء الجلسة إلى دار القاضي نزوره، وكان في عمارة تحتها مقهى (¬1) رأيت فيه نساء جالسات، فقلت: وهل تجلس النساء عندكم في المقاهي؟ فكأنهم خجلوا من سؤالي وأحبّوا أن يبتعدوا عن جوابي، فأصررت، ففهمت منهم أن هؤلاء الجالسات يهوديات يقعدن في المقهى ليستلبنَ شاباً غريراً يفسدن أخلاقه ودينه. ونظرت من الشارع فرأيت رجلاً اقترب من واحدة منهن فكلّمها كلاماً لم أسمعه لأنني بعيد عنه، ثم رأيتها تقوم وتمشي معه.
¬__________
(¬1) مقهى كلمة فصيحة، من «أقهى» أي أدام شرب القهوة.

الصفحة 94