كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

تسقط قيود المنافع والمجاملات وحُجُب الجهل والغفلة وينكشف الخفيّ ويفتضح المزور؛ عندئذ يستطيع التاريخ أن يحقّق في هذه الأحداث وأن يكشف ملابساتها ويحدّد المسؤول عنها. على أن المحكمة الكبرى هي التي تكون يوم الحساب بين يدَي رب الأرباب، يوم لا تخفى عليه خافية، يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا جند ولا أعوان.
إن النصر يكون بالعَدد، وإن كانت كثرة العدد لا تُجدي إن لم يكن معها العُدَد الكافية. والعَدد والسلاح لا ينفعان إن لم يكن معهما العلم، وهذا كله لا يأتي إلاّ بالمال. فهل ينقصنا نحن المسلمين العدد؟ نحن ألف مليون واليهود بضعة ملايين، لو أننا (وعفوكم عني إن جئت بمثال بشع) لو أن كل مسلم بصق بصقة لأُغرِق يهود العالَم، ولو أنه نفخ نفخة وجُمعت هذه النفخات لأطارَتهم، ولو ألقى عليهم كل واحد نعله القديم لماتوا ودُفنوا في قبر من النعال!
وإذا كان العدد لا ينقصنا، وإذا كان ما عند المسلمين من السلاح أكثر ممّا عند اليهود، وإذا كان مجموع العلماء من المسلمين، العلماء بالطبيعة وعلومها، أكثر ممّا عند اليهود، وإذا كنّا معشر المسلمين جميعاً نملك من المال أكثر ممّا عند اليهود، فما الذي ينقصنا؟
إذا كان لا ينقصنا العدد ولا ينقصنا المال ولا ينقصنا السلاح ولا ينقصنا العلم، فما الذي ينقصنا؟ إن الذي ينقصنا هو الإيمان: أن نكون مع الله حتى يكون الله معنا، أن نُدخل الإسلام في المعركة،

الصفحة 96