كتاب موسوعة أحكام الطهارة - الدبيان - ط 3 (اسم الجزء: 6)

عن أبي هريرة قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا جنب، فأخذ بيدي فمشيت معه حتى قعد فانسللت، فأتيت الرحل، فاغتسلت، ثم جئت وهو قاعد فقال: أين كنت يا أبا هر. فقلت له، فقال: سبحان الله، يا أبا هر إن المؤمن لا ينجس (¬١).
وقوله: إن المؤمن لا ينجس: يحتمل معنيين:
الأول: إن المؤمن لا ينجس بهذا -أي بالحدث- وذلك أن أبا هريرة إنما كره جلوسه مع الرسول صلى الله عليه وسلم لكونه جنبًا، فقال له: إن المؤمن لا ينجس أي بهذا، وإن كان المؤمن قد تلحقه النجاسة الطارئة كغيره، فإذا أصاب بدنه نجاسة تنجس.
فيكون الحديث دليلًا على طهارة بدن الجنب.
المعنى الثاني: إن المؤمن لا ينجس أي طاهر بإيمانه، وهي طهارة معنوية، خاصة أن الحكم كان على وصف الإيمان، فيكون الإيمان مؤثرًا في الحكم، فيكون المعنى: المؤمن طاهر بإيمانه.
كقوله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف (¬٢).
أي المؤمن القوي في إيمانه خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف في إيمانه، وليس المراد ما يستدل به أهل الرياضة على قوة الأبدان، فإن قوة البدن لا يتعلق بها مدح ولا ذم إلا حيث استعملت في طاعة الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان ابن مسعود دقيق الساق، وهو من أفضل الصحابة.
وحديث أبي هريرة في طهارة الجنب، وهو حدث أكبر، وأما طهارة الحائض فنذكره في الأدلة التالية.

الدليل الثالث:
(١٠٣٢ - ٣) ما رواه مسلم، من طريق ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد، عن
---------------
(¬١) البخاري (٢٨٥)، ومسلم (٣٧١).
(¬٢) صحيح مسلم (٢٦٦٤).

الصفحة 28