كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 6)
من حديث ثوبان رضي اللهُ عنه أن حبراً من أحبار اليهود سأل الرسول صلى اللهُ عليه وسلم فقال: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم: «هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ» (¬١).
ومن آثار الإيمان بهذا الحدث الغيبي العظيم:
أولاً: أن الله أخبر عباده بأهوال هذا اليوم - وهم في الدنيا - ليعلموا ما هم صائرون إليه، وليكونوا على بينة من أمرهم، وليستعدوا لذلك ويحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا، قال أحدهم:
وَلَو أَنَّا إِذَا مِتْنَا تُرِكْنَا
لَكَانَ المَوتُ غَايَةَ كُلِّ حَيٍّ
وَلَكِنَّا إِذَا مِتْنَا بُعِثْنَا
وَنُسأَلُ بَعْدَهَا عَنْ كُلِّ شَيءٍ
وصدق الله إذ يقول: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَاد (٣٠)} [آل عمران: ٣٠].
أما المجرمون فيقولون: {وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَاّ أَحْصَاهَا (٤٩)} [الكهف: ٤٩].
ثانياً: أن الناس يذهلون من هول المحشر عن كل شيء. قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيه (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيه (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَانٌ يُغْنِيه (٣٧)} [عبس: ٣٤ - ٣٧]. وقال تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (١٧)} [المزمل: ١٧].
ثالثاً: قدرة الله العظيمة على جمعهم وحشرهم في صعيد واحد
---------------
(¬١) برقم ٣١٥.