كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 6)

قال تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيم (٣٥) وَلَا طَعَامٌ إِلَاّ مِنْ غِسْلِين (٣٦) لَا يَاكُلُهُ إِلَاّ الْخَاطِؤُون (٣٧)} [الحاقة: ٣٥ - ٣٧].
وشراب أهل النار الحميم الذي بلغ غاية الحرارة إذا قُرِّبَ من وجوههم شواها حتى يتساقط اللحم، فإذا شربوه قطع أمعاءهم: {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا (٢٩)} [الكهف: ٢٩].
والماء المهل كالزيت المحروق أسود غليظ منتن، قال تعالى: {وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُم (١٥)} [محمد: ١٥]. وكذلك الغَسَّاق، قال تعالى: {لَاّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَاّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥)} [النبأ: ٢٤ - ٢٥]. والغَسَّاق: قال ابنُ الأثير: الغساق: بالتخفيف والتشديد، ما يسيل من صديد أهل النار وغسالتهم، وقيل: ما يسيل من دموعهم، وقيل: هو الزمهرير (¬١)، فهو باردٌ لا يُستطاعُ مِن برده، ولا يُواجَه مِن نتنه (¬٢)، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللهُ عنه أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: «لَو أَنَّ دَلوًا مِن غَسَّاقٍ يُهرَاقُ فِي الدُّنيَا، لَأَنتَنَ أَهلَ الدُّنيَا» (¬٣) فجهنم لها ألوان من العذاب، قال تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاق (٥٧) وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاج (٥٨)} [ص: ٥٧ - ٥٨].
وأما الجنة فإن نعيمها يفوق الوصف، ويقصر دونه الخيال ليس لنعيمها نظير فيما يعلمه أهل الدنيا، كما قال ابن عباس رضي اللهُ عنهما:
---------------
(¬١) النهاية في غريب الحديث (٣/ ٣٦٦).
(¬٢) تفسير ابن كثير (١٤/ ٢٣٣).
(¬٣) (١٧/ ٢٣١) برقم ١١٢٣٠، وقال محققوه حديث حسن لغيره.

الصفحة 90