كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 12)
"""""" صفحة رقم 15 """"""
غياض بتلك الأودية ، فيتكسر بعض ذلك الشجر على طول الأيام ، وتتعفن منه أصول بعض الشجر من الأمطار والسيول ، فيأكمل التراب والماء والهواء من فيه من الخشب ، ويبقى صميم العود وخلاصه وجوهره ، فإذا كثرت الأمطار وجرت السيول أخرجته من تلك الأودية إلى البحر ، فتقذفه الأمواج إلى الساحل فيجمعه الناس ويلتقطونه وينقلونه إلى الجهات . وقد حكى بعض من تردد إلى بلاد الهند من التجار قال : لم أر شجر العود ، ولا رأيت من رآ ه ؛ قيل له : وكيف لم تره وقد ترددت إلى بلاد الهند ، ومنها يجلب ؟ قال : لأن التجار الذين يجلبونه إلى الهند اذا قدموا بمراكبهم إلى المواني بالهند يقفون بالمراسي بحيث يرى من المواني مراكبهم ، ولايرون من فيها ، فإذا شاهدوهاأخلوا الفرضة والمينا من عشية ، ولا يظهر منهم أحد بها ، فيأتي أصحاب تلك المراكب إلى المينا وينقلون جميع ما معهم إلى الفرضة ، ويفرد كل تاجر منهم بضاعته ، ويتركونها ويخرجون فيقفون على مراسيهم ويصبح أهل المدينة فيأتون إلى تلك البضائع ، ويجعلون إلى جانب كل بضاعة بضاعة نظيرها ، ويتركونها ، ويخلون الفرضة ، فيعود التجار وينظرون إلى ما جعل لهم بدل بضائعهم ، فمن رضى بالعوض أخذه وترك بضاعته من لم يرض به تركهما جميعاً ؛ ويصبح أهل المدينة فيأتون إلى تلك البضائع فما وجدوه منها قد أخذ عوضه علموا أن صاحبه رضي بالبيع ، وما وجدوه باق هو وعوضه علموا أن صاحب البضاعة لم يرض بالعوض ، فيزاد حتى يرضى ؛ فهذا دأبهم مع الذين يجلبون العود ، وليس فيهم من رآ هم ، وحكى الحاكي ، أنه حكى أن بعض أهل المدينة كمن لهم في مكان يراهم منه ولا يرونه ، فرأى وجوههم وجوه كلاب ، وبقية أجسامهم أجسام الآدميين . وأما أنواع العود ومعادنه وأصنافه - فهو أنواع كثيرة ، وأصناف متباينة ؛ فأفضلة وأجله وأنفسه المندلي ، وهو الهندي ؛ وإنما سمي المندلى نسبة إلى معدنه . " والمندلى هو الهندي " . قالوا : وهو يجلب من ثلاثة مواضع من أرض الهند ، فأفضل ذلك القامروني ، وهو ما جلب من القامرون ؛ والقامرون : مكان مرتفع من الهند .