كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 12)
"""""" صفحة رقم 17 """"""
الماء ، الرزين الصلب ، الذي لا بياض فيه ، ويبقى على النار ويكون في القطعة منه نصف رطل إلى ما دون ذلك . قال أحمد بن أبي يعقوب : وله سن نضيج جيد ، كثير الماء . قال : ولا يجتمع في صنف من أصناف العود ما يجتمع في العود الهندي من الحلاوة والمرارة والخمرة والبقاء والصبر على النار وحكى محمد بن العباس المسكى في كتابه في سبب تفضيل العود الهندي وتقديمه على غيره ، واستعمال الخلفاء له ، فقال : العود الهندي أرفع أجناس العود وأفضلها وأجودها ، وأبقاها على النار ، وأعبقها بالثياب . قال : ولم تكن التجار تجلبه في الجاهلية ولا ما بعدها ، إلى آخر أيام بني أمية ، ولا ترغب في حمله ، لأجل المرارة التي في رائحته ؛ وإنما كانت الأكاسرة تتبخر بالمندلي والقماري والسمندوري والصنفي بشدة حلاوة روائحها . وزعم أن تلك الحلاوة تولد القمل في الثياب . قال : ولم يكن الهندي يعرف في هذه الأمصار ، ولا كانت التجار تجلبه مع معرفتها بفضله فلما كان في آخر أيام الدولة الأموية عند ما كثر الاختلاف بينهم ، وقلت الأموال في أيديهم ، شرعوا في مصادرات الرعايا ، وأخذوا الأموال من عير وجوهها وتعرضوا إلى أموال الأوقاف والأيتام ، فتعرض ولاة خراسان لبرمك ولولده وطالبوهما بالأموال ، وكان تحت يد برمك أوقاف جليلة ، فهرب هو وولده من أعمال خراسان إلى بلاد الهند ، فأقاموا بها إلى أن ظهرت الدولة العباسية ، فرأى الحسين بن برمك طيبة العود الهندي وزهد التجار فيه ، فاستجاده ، واشترى منه واستكثر ؛ ثم قدم خالد بن برمك وأخوه الحسين وأهلهما على المنصور أبي جعفر لما أفضت الخلافة اليه ، فاصطنعهم وأدناهم وقربهم ؛ فدخل الحسين يوما على المنصور وهو يتبخر بالعود القماري ، فأعلمه أن عندهما هو أطيب منه رائحة وأنه حمله معه من الهند ؛ فأمره المنصور بحمل ماعنده منه ، فحمله إليه ، فاستجاده المنصور ، وأمر أن يكتب إلى الهند في حمل الكثير منه ،