كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
اللحم في أعلاها ، وشد النسور بأوساطها إلى الرماح ، وجلس في التابوت ومعه وزيره ، وحمل معه قوساً ونشاباً ، وأطبق البابين ، فرفعت النسور رؤوسها فنظرت إلى اللحم ، فطارت صاعدة ، وارتفعت في الهواء ؛ فقال لوزيره : افتح الباب الذي يلي الأرض وانظر كيف هي ؟ قال : أراها كأنها قرية . قال : فانظر إلى السماء . فقال : هي كما رأيناها ونحن في الأرض . ولم يزل يصعد حتى قال : أما الدنيا فلا أراها إلا سواداً ودخاناً ، والسماء كما رأيناها .
وارتفعت النسور حتى كادت تسقط إلى الأرض ؛ فعارضه ملك وقال : ويلك يا نمروذ ؛ إلى أين ؟ قال : أريد محاربة إله إبراهيم . قال : ويحك ، إن بينك وبين سماء الدنيا خمسمائة عام ، ومن فوق ذلك ما لا يعلمه إلا الله . فخر الوزير ميتاً ؛ فأخذ نمروذ القوس ووضع فيه السهم ، وقال : أنا لك يا إله إبراهيم ، ورمى بالسهم إلى الهواء ، فيقال : إن السهم عاد إليه ملطخاً بالدم بإذن الله تعالى . وأمر الله جبريل أن يضرب التابوت بجناحه ، فيلقينه في البحر ؛ فضربه فمر يهوي به حتى ألقاه في البحر ؛ وأمر الله الأمواج أن تلقيه على الساحل ؛ فلما وصل إلى البر خرج وقد ابيضت لحيته لما عاين من الأهوال ، وتوصل من بلد إلى بلد حتى أتى المدينة ، فدخل منزله ليلاً فأنكره الناس لشيبه ، ثم عرفوه ؛ وجاءه إبراهيم فقال : كيف رأيت قدرة ربي ؟ قال : قد قتلت ربك . قال : إن ربي أعظم من ذلك ، واكن هل لك قوة - مع كثرة جنودك - أن تقاتلني ؟ قال : نعم .
ذكر خبر إرسال البعوض على نمروذ وقومه
قال : وأمر نمروذ جنوده فاجتمعوا لحرب إبراهيم وهم لا يحصون كثرة ؛ وخرج إبراهيم في سبعين من قومه الذين أمنوا في الصحراء ، فأرسل الله عليهم البعوض حتى امتلأت منه الدنيا ، ولدغت جيش نمروذ ؛ فمات من لدغها خلق كثير ، والتجأ الباقون إلى الدور ، وأغلقوا الأبواب وأسبلوا الستور ؛ فلم تغن عنهم شيئاً ، وانفرد نمروذ عن جيشه ، ودخل منزله وأغلقت الأبواب ، وأرخيت الستور ، واستلقى على سريره ، فجاءت بعوضة فقعدت على لحيته ، فهم بقتلها ، فدخلت منخره وصعدت إلى دماغه ؛ فعذبه الله بها أربعين يوماً لا ينام ولا يطعم ؛ ثم شقت رأسه وخرجت في كبر الفرخ ، فمات .