كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 110 """"""
- فتقدمت إليهم وقالت : ما لكم تدخلون على قوم فاسقين ؟ ليس يضيفكم إلا ذلك الشيخ . فعدلت الملائكة إلى لوط ، فلما رآهم اغتم غماً شديداً مخافة عليهم من شر قومه ، ثم قال لهم : من أين أقبلتم ؟ قالوا : من موضع بعيد ، وقد حللنا بساحتك ، فهل لك أن تضيفنا الليلة ؟ قال : نعم ، ولكن أخاف عليكم من هؤلاء الفاسقين - عليهم لعنة الله - قال جبريل لإسرافيل : هذه واحدة - وكان الله قد أمرهم إلا يدمروا على قومه إلا بعد أربع شهادات من لوط ولعنته عليهم - ثم أقبلوا إليه وقالوا : يا لوط ، قد أقبل علينا الليل ، فاعمل على حسب ذلك . قال : قد أخبرتكم بأن قومي يأتون الرجال من العالمين - عليهم لعنة الله - فقال جبريل لإسرافيل : هذه ثانية . ثم قال لهم لوط : انزلوا عن دوابكم واجلسوا هذا هنا حتى يشتد الظلام ، وتدخلوا ولا يشعر بكم أحد منهم - عليهم لعنة الله - قال جبريل : هذه ثالثة ، وقال لامرأته : إنك قد عصيت الله أربعين سنة وهؤلاء ضيوفي قد ملأوا قلبي خوفاً ، فاكتمي علي أمرهم حتى يغفر الله لك ما مضى . قالت : نعم . ثم خرجت وبيدها سراج كأنها تشعل ، فطافت على عدة من القوم ، فأخبرتهم بجمالهم وحسنهم ، فعلم لوط بذلك ، فأغلق الباب وأوثقه ؛ فأقبل الفساق وقرعوا الباب ، فناداهم لوط : " هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد " ثم كسروا الباب ، ودخلوا ، فقالوا له : " أولم ننهك عن العالمين " .
فوقف لوط على الباب الذي دونه ضيفانه وقال : لا أسلم ضيفاني إليكم دون أن تذهب نفسي .
فتقدم بعضهم ولطم وجهه ، وأخذ بلحيته ، ودفعوه عن الباب ، فقال أوه " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد " ثم قال : إلهي خذ لي بحقي من هؤلاء الفسقة والعنهم لعنا كبيراً . فقال جبريل عند ذلك : هذه أربعة . وقام جبريل ففتح الباب وقال للوط : " إنا رسل ربك لن يصلوا إليك " فهجم القوم . ودخلوا وبادروا نحو الملائكة ، فطمس الله أعينهم ، واسودت وجوههم . قال الله تعالى : " ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم " فجاءت طائفة أخرى ونادوهم : اخرجوا لندخل ، فنادوا : يا قوم ، هؤلاء قوم سحرة سحروا أعيننا