كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 115 """"""
منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيبت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين " .
قال : فاتفقوا وجاءوا إلى أبيهم ، فقالوا : " يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون ، أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون " . فقال لهم يعقوب : " إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ، قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون " .
قال : وأحب يوسف ذلك ، فدعا يعقوب بسلة فيها طعام وكوز ماء ، وقال : إذا جاع فأطعموه من هذا الطعام ، وإذا عطش فاسقوه ؛ وأخذ عليهم العهود برده وشيعهم بنفسه ، وجلس على تل عال ينظر إليهم حتى غابوا عنه ؛ فندم على إرساله ثم رجع إلى منزله ، وجعل إخوة يوسف يمعنون في السير ، وهو يمشي وراءهم ولا يلحقهم ، ويناديهم : قفوا لي . فلم يقفوا . ويقول : اسقوني . فلم يسقوه ؛ وكسر شمعون الكوز وقال : قل لأحلامك الكاذبة حتى تسقيك . ورمى لاوي سلة الطعام في الوادي ؛ فعلم يوسف أنهم قد عزموا على أمر ، فناداهم وناشدهم الله والرحم ، وذكرهم بعهود أبيه ، فطمه أحدهم فأكبه ؛ وساروا ويوسف يعدو وراءهم حتى بلغوا موضع أغنامهم ، فأرادوا قتله ؛ فقال لهم يهوذا : إن قتلتموه حل بكم ما حل بقابيل حين قتل أخاه . فأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وطلبوا له جباً عميقاً فوجدوه ، فجروه إليه وهو يبكي ، فقال لهم يهوذا : يا بني يعقوب لقد ذهبت الرحمة من قلوبكم . قالوا : فنرده إلى أبيه فيحدثه بما فعلناه به ؟ قال : فإن طرحتموه في الجب لا يبلغ قعره حتى يموت ، ولكن دلوه بحبل . ولم يكن معهم حبل ، فذبحوا شاة ، وقدوا جلدها كالحبل ، ودلوه به ؛ فلما نزل إلى الجب امتلأ نوراً ، وأتاه جبريل وقال له : لا تخف فإن الله معك . وكان في الجب جحر عظيم ، فسطحه جبريل بجناحه فصار كالطبق وأجلسه فيه ، وأتاه بطعام من الجنة فأكل ، وأتاه بقميص فلبسه ، وبفراش من الجنة ، وآنسته الملائكة في الجب .