كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 119 """"""
فكان يوسف يتعاهده حتى عمر ببركته ، وهو يأكل من نباته ، فوقعت محبته في قلب زليخا ، فكتمت ذلك حتى كاد أن يظهر عليها ، فأتتها دايتها ، وقالت : يا سيدة نساء مصر ، أخبريني بقصتك . فذكرت ما بها من حب يوسف ؛ فأمرتها أن تتزين بأحسن زينتها ، ففعلت ، وجلست على سرير وأحضرت يوسف ، فوقف بين يديها وهو لا يعلم ما يراد منه ؛ وأغلقت الداية أبواب المجلس من خارج ؛ فعلم عند ذلك مراد زليخا - وكان عمره ثمان عشرة سنة - ؛ قال الله تعالى : " وراودته التي في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقال هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون " .
قال : فرمت بتاجها وهمت به . قال الله تعالى : " ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين " . قالوا : هم بضربها . وقيل : بردعها . وقيل : لما حصل عنده من الهم . ولا تعويل على ما نقله أهل التاريخ : أنه هم بها كما همت به .
قالوا : وكان البرهان الذي رآه أنه سمع صوتاً من ورائه ، فالتفت ، فرأى صورة يعقوب وهو عاض على يديه يقول : الله الله يا يوسف .
وقيل : خرجت كف من الحائط مكتوب عليها : " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت " ؛ ثم انصرفت الكف وعادت زليخا لمراودته ، فخرجت الكف ثانية مكتوب عليها : " وإن علكم لحافظين ، كراماً كاتبين ، يعلمون ما تفعلون " ثم عادت فخرجت الكف ثالثة وعليها مكتوب : " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله " .
قال : فلما نظر يوسف إلى البرهان ، بادر إلى الباب ؛ فعدت زليخا خلفه فلحقته عند الباب ، فجذبت قميصه فقدته من دبر ؛ وإذا قطفير قد أقبل . قال الله تعالى : " واستبقا الباب فقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب " .
قال : فلما نظرت زليخا إليه لطمت وجهها ، وقالت : أيها العزيز ، هذا يوسف الذي اتخذناه ولداً دخل يراودني عن نفسي .

الصفحة 119