كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 122 """"""
أهل السجن عن تأويلها ، فدلوه على يوسف ؛ فأتاه وقال : قد رأيت رؤيا . فقال له يوسف : قصها . فقال : رأيت كأني في بستان فيه كرمة حسنة ؛ وفيها عناقيد سود ؛ فقطعت منها ثلاث عناقيد وعصرتها في كأس الملك ، ورأيت الملك على سريره في بستانه ، فناولته الكأس فشربه ، وانتبهت .
فقال صاحب المطبخ : وأنا رأيت مثل هذه الرؤيا ، رأيت كأني أخبز في ثلاثة تنانير : أحمر وأسود وأصفر ، ورأيت كأني أحمل ذلك الخبز في ثلاث سلال إلى دار الملك ، وإذا بطائر على رأسي يقول لي : قف فإني طائر من طيور السماء ، ثم سقط على رأسي فجعل يأكل من ذلك الخبز ، والناس ينظرون إليه وإلي ، وانتبهت فزعاً .
فقال يوسف : بئسما رأيت . ثم قال للساقي : إنك تقيم في السجن ثلاثة أيام ويخرجك الملك فيسلم إليك خزانته ، وتكون ساقيه وصاحب خزانته . وأنت يا خباز بعد ثلاثة أيام تضرب رقبتك وتصلب وتأكل الطير من رأسك . فقال الخباز : إني لم أر شيئاً ، وإنما وضعت رؤياي هذه . فقال : " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " .
ثم قال يوسف للساقي : " اذكرني عند ربك " وأعلمه أني محبوس ظلماً . فقال له : ما أبقي جهداً .
فلما كان بعد ثلاثة أيام كان من أمر الساقي والخباز ما قاله لهما يوسف .
ثم هبط جبريل على يوسف وقال : إن الله يقول لك : نسيت نعمائي عليك فقلت للساقي يذكرك عند ربه ، وهما كافران ، فأنزلت حاجتك بمن كفر بنعمتي وعبد الأصنام دوني .
قال الله تعالى : " وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه " .
قيل : الذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو الساقي ، " فلبث في السجن بضع سنين " وهو يبكي ويستغفر ويتضرع إلى الله ؛ فأوحى الله إليه : أني قد غفرت لك ذنبك ، وأنه سيخرجك من السجن ، ويجمع بينك وبين أبيك وإخوتك وتصدق رؤياك . فخر ساجداً لله تعالى .