كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 130 """"""
فلما غلبها يعقوب قالت : فدعه عندي أياماً أنظر إليه ، لعل ذلك يسليني عنه . ففعل ذلك يعقوب ؛ فلما خرج يعقوب من عندها عمدت إلى منطقة إسحاق فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وهو صغير ، ثم قالت : لقد فقدت منطقة إسحاق فانظروا من أخذها . فالتمست فلم توجد ؛ فقالت : اكشفوا أهل البيت . فكشفوهم ، فوجدوها مع يوسف ؛ فقالت : والله إنه ليسلم لي أصنع به ما شئت - وكان ذلك حكم أهل آل إبراهيم في السارق - فأتاها يعقوب ، فأخبرته بذلك ؛ فقال : إن كان فعل ذلك فهو يسلم إليك ، ما أستطيع غير ذلك .
فأمسكته بعلة المنطقة ، فما قدر يعقوب عليه حتى ماتت ، فهو الذي قال له إخوته : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل . قالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين ، قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذاً لظالمون ، فلما استيئسوا منه خلصوا نجياً أي يتناجون قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ، ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين .
قال : ثم تشاوروا فقالوا : إن هذا الملك وأهل مصر كفرة يعبدون الأصنام فتعالوا نتظاهر عليهم .
قال روبيل : أنا أكفيكم الملك وأعوانه .
وقال شمعون : أنا أكفيكم أمر العزيز وأعوانه .
وقال يهوذا : أنا أكفيكم الأسواق .
فعلم يوسف بذلك ، فأحضرهم وقال : يا بني يعقوب ، ما الذي غركم مني ؟ أحسنت إليكم مرة بعد مرة ، وتفضلت عليكم ، وجنى أخوكم جناية فتشاورتم في هلاك المدينة وأهلها ، أتظنون أن القوة لكم دون غيركم ؟ ثم ضرب برجله السدة التي كان عليها فطحطحها وكسر صفائح رخامها ؛ ثم قال : لولا أنكم من أولاد الأنبياء لصحت بكم صيحة تخرون على أذقانكم .

الصفحة 130