كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 131 """"""
قال : وكان يهوذا قد عزم على أن يفعل شيئاً ، وكان على كتفه شعرة إذا غضب خرجت من جبته فيقطر منها الدم ، ثم يصيح صيحة فلا يسمعها أحد إلا سقط مغشياً عليه ؛ وكان لا يسكن غضبه إلا أن يمسه أحد من آل يعقوب ؛ فدعا يوسف بابنه منسا وقال : اذهب إلى ذلك الكهل فمسه بيدك ، وتنح عنه من حيث لا يشعر بك . ففعل ذلك ، فسكن غضبه ؛ فقال يهوذا لإخوته : من الذي مسني منكم فقد سكن غضبي . قالوا : لم يمسك غير ذلك الصبي . فقال : والله لقد مستني يد من آل يعقوب . فلما عسر عليهم ما عزموا عليه ، عزموا على العود إلى أبيهم ، وتركوا روبيل عند بنيامين .
قال : فلما انصرفوا دخل يوسف إلى منزله وأحضر بنيامين ، وقال : أتعرفني ؟ قال : نعم ، أنت العزيز ، والله ما سرقت ، فلا تعجل علي ، فإنك موصوف بالإحسان . فضمه يوسف إلى صدره ، وقال له : أنا أخوك يوسف . ثم كساه وسأله عن أبيه ، فأخبره بما يقاسيه من أجله .
قال : ورجع إخوة يوسف إلى أبيهم فذكروا ما كان من خبر بنيامين ، وأن روبيل أقام عنده .
قال : وكيف يسرق ولدي وهو من الذرية الطيبة ؟ فقالوا له : واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون ، قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم ، وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم إلى قوله : ما لا تعلمون .
قال : وأخذ في البكاء حتى ضجر منه جيرانه ، فأوحى الله إليه : أن كف عن بكائك فإني سأرد عليك بصرك ، وأجمع بينك وبين ولدك . فسكن وهدأ ، ثم قال لبنيه : احملوا كتابي إلى العزيز . ودعا بابنته دينة وقال لها : اكتبي ، باسم إله إبراهيم ، من يعقوب إلى عزيز مصر ، إن الله أكرمني بولد كان أحب أولادي إلي وفقدته وبكيت عليه حتى عميت ، وكنت لآنس بأخيه بنيامين الذي حبسته عندك ؛ وعجبت من أمر الصواع ؛ فإن أولاد الأنبياء لا يفعلون ذلك ، وإنه مكذوب عليه ؛ فإذا أتاك كتابي هذا فتفضل علي بولدي ورده علي فإني أدعو الله أن يزيدك فضلاً وكرامة .
وسلم الكتاب إليهم ، وقال : يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله الآية .

الصفحة 131