كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 136 """"""
إلى قومه رسولاً - وهم أهل حوران والبثنية - ورزقه الله حسن الخلق والرفق ، فشرع لقومه الشرائع ، وبنى المساجد ، ووضع موائد للفقراء والأضياف ؛ وأمر وكلائه ألا يمنعوا أحداً من زراعته وثماره ، فكان الطير والوحش وجميع الأنعام تأكل من زرعه وبركة الله تزداد صباحاً ومساء ؛ وكانت كل مواشيه تحمل في كل سنة بتوءم .
وكان أيوب إذا أقبل الليل جمع من يلوذ به في مسجده ، ويصلون بصلاته ويسبحون بتسبيحه حتى يصبح ، فحسده إبليس ؛ وكان لا يمر بشيء من ماله وماشيته إلا رآه وهو مختوم بخاتم الشكر ؛ وكان إذ ذاك يصعد إلى السموات ويقف في أي مكان أحب منها ، حتى رفع الله عيسى بن مريم ، فحجب عن أربع سموات منها ؛ حتى بعث الله نبينا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، فحجب عن جميعها فصعد إبليس في زمن أيوب - عليه السلام - وقال : يا رب إني طفت الأرض ففتنت من أطاعني إلا عبادك منهم المخلصين . فنودي : يا ملعون ، هل علمت بعبدي أيوب ؟ وهل نلت منه مع طول عبادته ؟ وهل تستطيع أن تغيره عن عبادتي ؟ فقال إبليس : إلهي إنك ذكرته بالخير ، وقد نظرت في أمره فإذا هو عبد عافيته بعافيتك ، ورزقته شكرك ، ولم تختبره بالبلاء ؛ فلو ابتليته بالمصائب لوجدته بخلاف ما هو عليه ، فلو سلطتني على ماله لرأيته كيف ينساك .
فسلطه الله على ماله ؛ فانقض وجمع العفاريت ، وأخبرهم أنه سلط على مال أيوب ، وحضهم على زرعه وأشجاره ومواشيه ، فأحرقوا الأشجار ، وصاحوا بالمواشي صيحة فماتت برعاتها .
قيل : وكان له ألف فرس وألف رمكة وألف بغل وبغلة ، وثلاثة آلاف بعير ، وألف وخمسمائة ناقة ، وألف ثور ، وألف بقرة ، وعشرة آلاف شاة وخمسمائة فدان ، وثلاثمائة أتان ، مع ما يتبع ذلك من النتاج ؛ فهلك جميع ذلك ؛ ثم أقبل إبليس إلى أيوب في صورة راع من رعاته ، وخيل له أن عليه وهج الحريق وقد اسود وجهه ، وهو ينادي : يا أيوب ، أدركني فأنا الناجي دون غيري ما رأيت قط مثل هذا اليوم ،