كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 137 """"""
رأيت ناراً أقبلت من السماء فأحرقت أموالك ، وسمعت نداء من السماء : هذا جزاء من كان مرائياً في عمله يريد به الناس دون الله .
وسمعت النار تقول : أنا نار الغضب . فأقبل أيوب على صلاته ، ولم يكترث به حتى فرغ منها ، وقال : يا هذا ، لقد كثرت علي ، ليست الأموال لي ، بل هي لربي يفعل فيها ما يشاء . فقال إبليس : صدقت .
وماج الناس بعضهم في بعض ، وقالوا : هلا قبضها قبضاً جميلاً .
فشق ذلك على أيوب من قولهم ، ولم يجبهم ، غير أنه قال : الحمد لله على قضائه وقدره . وانصرف إبليس عنه ، وصعد إلى السماء ، فنودي : يا ملعون كيف وجدت عبدي أيوب وصبره على ذهاب أمواله ؟ فقال إبليس : إلهي إنك قد متعته بالأولاد ، فول سلطتني عليهم لوجدته غير صابر . فنودي : يا ملعون اذهب فقد سلطتك عليهم . فانقض إبليس على باب قصر أيوب الذي فيه أولاده فزلزله حتى سقط عليهم ، وشدخهم بالخشب ، ومثل يهم كل مثلة ؛ فأوحى الله إلى الأرض : احفظي أولاد أيوب فإني بالغ في مشيئتي .
وأقبل إبليس إلى أيوب وقال له : لو رأيت قصورك كيف تهدمت ، وأولادك وما حل بهم . ولم يزل يعد له ما حل بهم حتى أبكاه ؛ ثم ندم على بكائه ، فاستغفر وخر ساجداً ؛ وأقبل على إبليس وقال : يا ملعون ، انصرف عني خائباً ؛ فإن أولادي كانوا عارية عندي لله . فانصرف وصعد إلى السماء ، ووقف موقفه ، فنودي : يا ملعون ، كيف رأيت عبدي أيوب واستغفاره عند بكائه ؟ فقال : إلهي إنك قد متعته بعافية نفسه ، وفيها عوض عن المال ، فلو سلطتني على بدنه لكان لا يصبر . فنودي : يا ملعون اذهب فقد سلطتك على جسده إلا عينيه ولسانه وقلبه وسمعه . فانقض إبليس عليه وهو في مسجده يتضرع إلى الله ويشكره على جميع بلائه ؛ فلما سمع إبليس ذلك منه اغتاظ ، ولم يتركه يرفع رأسه من السجود حتى نفخ في منخريه كالنار الملتهبة ؛ فاسود وجهه ، ومرت النفخة في سائر جسده ؛ فتمعط منها شعره ، وتقرح جميع بدنه ،