كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 138 """"""
وورم في اليوم الثاني ، وعظم في الثالث ، واسود في الرابع ، وامتلأ قيحاً في الخامس ، وسال منه الصديد في اليوم السابع ووقع فيه الحكاك ، فجعل يحكه حتى سقطت أظافيره ؛ فحك بدنه بالخروق والمسح والحجارة ، وكان إذا سقطت دودة من بدنه ردها إلى موضعها ، ويقول : كلي إلى أن يأذن الله بالفرج .
فقالت له رحمة : يا أيوب ، ذهب المال والولد ، وبدء الضر في الجسد .
فقال لها ، يا رحمة ، إن الله ابتلى الأنبياء من قبل فصبروا ، وإن الله وعد الصابرين خيرا ؛ وخر ساجداً لله تعالى ، وقال : إلهي لو جعلت ثوب البلاء سرمداً وحرمتني العافية ، ومزقتني كل ممزق ، ما ازددت إلا شكراً ؛ إلهي لا تشمت بي عدوي إبليس .
ثم قال لرحمة : انقليني إلى موضع غير مسجدي ، فإني لا أحب أن يتلوث المسجد .
فانطلقت إلى قوم كان أيوب يحسن إليهم ؛ فالتمست منهم أن يعينوها على إخراجه من المسجد ؛ فقالوا : إنه قد غضب عليه ربه بما كان فيه من الرياء ، فليت كان بيننا وبينه بعد المشرقين . فرجعت رحمة واحتملته إلى الموضع الذي كان يضع فيه الموائد للناس بالفضاء .
ثم قال لها : يا رحمة ، إن الصدقة لا تحل علينا ، فاحتالي في خدمة الناس . وبكى وبكت ، فكانت تخدم أهل البلد في سقي الماء وكنس البيوت وإخراج الكناسات إلى المزابل ، وتتكسب من ذلك ما تنفقه على أيوب ؛ فأقبل إبليس في صورة شيخ ، فوقف على أهل القرية وقال : كيف تطيب نفوسكم بمخالطة امرأة تعالج من زوجها هذا القيح والصديد وتدخل بيوتكم ، وتدخل يدها في طعامكم وشرابكم ؟ فوقع ذلك في قلوبهم ومنعوها أن تدخل بيوتهم .

الصفحة 138