كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 139 """"""
قال : واشتد بأيوب البلاء ، ونتن حتى لم يقدر أحد من أهل القرية أن يستقر في بيته لشدة رائحته ؛ فاجتمعوا على أن يرسلوا عليه الكلاب لتأكله ؛ فأرسلوها فعدت حتى قربت منه وولت هاربة ولم ترجع إلى القرية .
ثم قال لرحمة : إن القوم قد كرهوني ، فاحتالي في نقلي عنهم .
فتوجهت واتخذت له عريشاً ، واستعانت بمن يحمله ؛ فأعانها الله بأربعة من الملائكة ، فحملوه بأطراف النطع إلى العريش ، وعزوه في مصيبته ودعوا له بالعافية ؛ واتخذت له رحمة في العريش رماداً ، فألقى نفسه عليه ؛ ثم توجهت في طلب القوت ، فردها أهل القرية ، وقالوا : إن أيوب سخط عليه ربه . فعادت إليه باكية ، وقالت : إن أهل القرية غلقوا أبوابهم دوني . فقال : إن الله لا يغلق باباً دوننا . فحملته إلى قرية أخرى ، وصنعت له عريشاً ودخلت القرية ، فقربوها وأكرموها ، وحملت في ذلك اليوم عشرة أقراص من خمسة بيوت ؛ ثم شم أهل القرية رائحة أيوب بعد ذلك ، فمنعوا رحمة أن تدخل إليهم ، وقالوا : نحن نواسيك من طعامنا بشيء . فرضيت بذلك ؛ فبينما هي تتردد إلى أيوب إذ عرض لها إبليس في صورة طبيب وقال : إني أقبلت من أرض فلسطين لما سمعت خبر زوجك ، وقد جئت لأداويه ، وأنا صائر إليه غداً فيجب أن تخبريه ، وقولي له : يحتال في عصفور أو طائر فيذبحه ولا يذكر اسم الله عليه ، ويأكله ويشرب عليه قدحاً من خمر ، ففرجه في ذلك . فجاءت رجمة إلى أيوب وأخبرته بذلك ، فتبين الغضب على وجهه ، وأخبرها أنه إبليس وحذرها أن تعود لمثل ذلك ؛ ثم أقبلت بعد ذلك إلى أيوب بشيء من الطعام فعرض لها إبليس في صورة رجل بهي على حمار ، فقال : إني أعرفكم وأنتم أهل غناء ويسار فما الذي غير حالكم ؟ فذكرت ما أصاب أيوب من البلاء في المال والولد والنفس قال : وفي أي شيء أصابتكم هذه المصائب ؟ قالت : لأن الله أراد أن يعظم لنا الأجر على قدر بلائه .
قال إبليس : بئس ما قلت ، ولكن للسماء إله وللأرض إله ؛ فأما إله السماء فهو الله ؛ وأما إله الأرض فأنا ، فأردتكم لنفسي فعبدتم إله السماء ولم تعبدوني

الصفحة 139