كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 140 """"""
ففعلت بكم ما فعلت ، وسلبتكم نعمكم ، وكل ذلك عندي ، فاتبعيني حتى تنظري إلى ذلك ، فإنه عندي في وادي كذا وكذا . فلما سمعت رحمة ذلك منه عجبت ، واتبعته غير بعيد حتى وقفها على ذلك الوادي ، وسحر عينيها حتى رأت ما كانت فقدته من أموالهم . فقال : أنا صادق أم لا ؟ فقالت : لا أدري حتى أرجع إلى أيوب . فرجعت وأخبرته بذلك ، فتألم وأنكر عليها وغضب ؛ فسألته أن يعفو عنها ولا تعود ؛ فقال : قد نهيتك مرة وهذه أخرى ، وأقسم إن عافاه الله ليجلدنها مائة جلدة على كلامها لإبليس .
قال : ولبث أيوب في بلائه ثماني عشرة سنة حتى لم يبق إلا عيناه تدوران في رأسه ، ولسانه ينطق به ، وقلبه على حالته ، وأذناه يسمع بهما .
قال : وعجزت رحمة في بعض الأيام عن تحصيل القوت ، وطافت القرية حتى أتت إلى امرأة عجوز فشكت لها ذلك ؛ فقالت العجوز : يا رحمة ، قد زوجت ابنتي ، فهل لك أن تعطيني ضفيرتين من ضفائرك لأزين بهما ابنتي ، وأعطيك رغيفين . فأجابتها رحمة إلى ذلك ، وأخذت الرغيفين ، وجاءت بهما إلى أيوب ؛ فأنكرهما أيوب وقال : من أين لك هذين ؟ فأخبرته بالقصة ؛ فصاح أيوب وقال ما أخبر الله تعالى : " أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " .
فأوحى الله إليه : يا أيوب ، قد سمعت كلامك ، وسأجزيك على قدر صبرك ؛ وأما رحمة فلأرضينها بالجنة .
ذكر كشف البلاء عن أيوب عليه السلام
قال : فلما كان يوم الجمعة عند زوال الشمس ، هبط عليه جبريل فسلم عليه فرد عليه وقال : من أنت ؟ قال : أنا جبريل ؛ وبشره بالشفاء ، وأن الله قد وهب له أهله وماله وولده ومثلهم معهم لتكون آية ، فبكى أيوب من شدة الفرح وقال : الحمد لله الذي لم يشمت بي عدوي إبليس . فقال له جبريل : قم يا أيوب . فلم يستطع ؛ فأخذ بيده وقال : قم بإذن الله . فقام على قدميه ، فقال له جبريل : أركض برجلك هذه الأرض . فركضها ، فنبعت عين من الماء تحت قدميه أشد بياضاً من الثلج وأحلى من العسل وأذكى من المسك ؛ فشرب منه شربة فسقط ما في بدنه من الدود ، ثم أمره جبريل فاغتسل من تلك العين ، فخرج وجهه كالقمر وعاد إليه حسنه وجماله ؛ ثم