كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 142 """"""
لما قبض الله - عز وجل - أيوب عليه السلام سار ابنه حوميل - وهو أكبر أولاده - في الناس سيرة أبيه ، حتى خرج عليهم ملك من ملوك الشام يقال له : لام بن دعام ، فغلب على بلاد الشام ، وبعث إلى حوميل يقول : إنكم ضيقتم علينا بلاد الشام ، وأريد منكم نصف أموالكم وتزوجوني أختكم حتى أقركم على ما أنتم عليه ، وإلا سرت إليكم بخيلي ورجلي وجعلتكم غنيمة .
فأرسل إليه حوميل يقول : إن هذه الأموال التي في أيدينا ليس لأحد فيها حق إلا الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل ؛ وأما أختنا فإنك من غير ديننا ، فلا نزوجها لك ؛ وأما تخويفك لنا بخيلك ورجلك ، فنحن نتوكل على الله ربنا ، وهو حسبنا . فجمع الملك جنوده وقصدهم ، فالتقوا واقتتلوا قتالاً شديداً ، فكانت الكسرة على أولاد أيوب ، وأسر بشير بن أيوب وجمعة معه ؛ وانقلب حوميل بنفسه وجمع مالاً عظيماً ليحمله إلى الملك ويخلص أخاه منه ؛ فبينما هو في ذلك أتاه آت في منامه فقال : لا تحمل هذا المال ، ولا تخف على أخيك ، فإن هذا الملك يؤمن وتكون عاقبة أمره خيراً .
فلما أصبح قص رؤياه على إخوته ، ففرحوا ؛ فبلغ الملك توقفه في حمل المال فأرسل إليه يقول : احمل ما تكفل به أخاك من المال وإلا أحرقته بالنار . فبعث إليه : إني قد أمرت ألا أحمل إليك شيئاً ، فاصنع ما أنت صانع ، فغضب الملك وأمر أن تجمع الأحطاب ؛ فجمعت وألقى فيها النار والنفط ، وأمر ببشير فألقي فيها فلم تحرقه ؛ فعجب الملك من ذلك ، وآمن بالله ، واختلط بعضهم ببعض ، وزوجوه أختهم ، وسمي بشير ذا الكفل ، وأرسله الله إلى الشام ؛ وكان الملك يقاتل بين يديه الكفار ، فلم يزل كذلك حتى مات أولاد أيوب ؛ ثم مات الملك وغلب العمالقة على الشام ، إلى أن بعث الله - عز وجل - شعيباً رسولاً .
وحكى الثعلبي في تفسيره وقصصه في قصة ذي الكفل غير ما تقدم ، وساق القصة تلو قصة اليسع ، فقال : قال مجاهد : لما كبر اليسع قال : لو أني استخلفت