كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 145 """"""
الدور لأنفسهم ، واختلطوا بأهل مدين ، وكان أهل مدين يعبدون الله ، وأصحاب الأيكة يعبدون الأصنام ، ولا يعدو بعضهم على بعض ؛ وكان صنعون والد شعيب من العباد والعلماء بمدين ، وتحته امرأة من العمالقة ، فولدت له شعيباً في نهاية الجمال ؛ فلما كبر أعطاه الله فهماً وعلماً ؛ وكان قليل الكلام دائم الفكر ؛ وكان أبوه إذا تأمل ضعفه ونحافته يقول : اللهم إنك كثرت الشعوب والقبائل في أرض مدين ، فبارك لي في شعيبي هذا . يعني ولده . فرأى في منامه أن الله تعالى قد بارك لك في شعيبك هذا ، وقد جعله نبياً إلى أهل مدين . فسمي شعيباً لذلك .
وتوفي والده فقام شعيب مقامه ، وبرز بالزهد على أهل زمانه ، واشتهر بالعبادة .
قال : وكان ملك الأيكة - واسمه أبو جاد - قد اتخذ لقومه أصناماً ، وهي ثلاثون صنماً ، عشرة من الذهب جلاها بالجوهر خاصة به وبأولاده ، والبقية من الفضة والنحاس والحجارة والحديد والخشب لبقية الناس .
قال كعب في تفسير أبجد : إنها أسماء ملوك مدين .
وقيل : بل ملوك الأيكة ، وهم أبو جاد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت .
قال : وكان أهل مدين أصحاب تجارات يشترون الحنطة والشعير وغيرهما من الحبوب ، ويجلبون ذلك من سائر البلدان يتربصون بهالغلاء ، وهم أول من تربص ؛ وكان لهم مكيالان : واف يكتالون به لأنفسهم عند الشراء ، وناقص يكيلون به للإعطاء ، وكذلك في وزنهم ؛ فكانوا على ذلك وشعيب بين أظهرهم وهو لا يخالطهم ، وله غنم ورثها من أبيه يأكل من منافعها ، وهو عظيم المحل عندهم .
فبينما هو ذات يوم على باب منزله مشتغل بالذكر ، إذ جاءه رجل غريب فقال : إن هؤلاء القوم يظلمون الناس ، وإني اشتريت منهم مائة مكيال بمائة دينار وقبضوا الثمن وزيادة ، والذي كاله منهم نقص عشرين مكيالاً . فقال له شعيب : ارجع إليهم فلعلهم قد غلطوا عليك . قال : قد راجعهم فضربوني وسبوني ، وقالوا : هذه سنتنا في بلدنا . والتمس الرجل من شعيب أن يساعده عليهم ؛ فخرج شعيب معه حتى صار إلى سوقهم ، وسألهم عن قصته فلم ينكروها ، وقالوا : ألم تعلم يا شعيب أن هذه سنة