كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 147 """"""
فاستهزأ القوم به ، فقال : ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب .
فكذبه سفهاء قومه ، كما أخبر الله عنهم : " كذب أصحاب الئيكة المرسلين ، إذ قال لهم شعيب إلا تتقون ، إني لكم رسول أمين ، فاتقوا الله وأطيعون ، وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ، وأوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين ، وزنوا بالقسطاس المستقيم ، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ، قالوا إنما أنت من المسحرين ، وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين ، فاسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين ، قال ربي أعلم بما تعملون " .
ثم قال له الملك : قد بلغت رسالتك بزعمك ، وقد سمعناها وأبينا ، فلا تعد إلينا فترى ما لا طاقة لك به ، فقال : أنا رسول الله إليكم ، وإني أعود أدعوكم حتى ترجعوا إلى طاعة الله . فغضب الملك ، وانصرف عنهم شعيب ؛ وآمن به رجل من وزراء الملك ، واستكتمه إيمانه ، فكتمه شعيب ؛ ثم عاد من الغد وقد خرج الملك ومن معه إلى سوقهم ، وأخرجوا أصنامهم ونصبوها ؛ وأمر الملك في أهل مدين والأيكة : من سجد لأصنامنا فهو منا ، ومن أبى عذبناه عذاباً شديداً . فسجد القوم بأجمعهم للأصنام ؛ فنا داهم شعيب : إن هذه الأصنام لا تضر ولا تنفع ، فاتركوا عبادتها . وحذرهم عذاب الله . فقالوا : إنك تدعونا بغير حجة ، فهل لك حجة على دعواك النبوة ؟ قال لهم شعيب : إن نطقت هذه الأصنام بصدق مقالتي أتؤمنون ؟ قالوا : نعم . ورضي الملك بذلك ؛ فتقدم شعيب إلى الأصنام وقال لها : أيتها الأصنام ، من ربك ؟ ومن أنا ؟ تكلمي بإذن الله . فنطقت بإذن الله وقالت : ربنا الله وخالقنا وخالق كل شيء ، وأنت رسول الله ونبيه . وتنكست عن كراسيها ولم يبق منها صنم صحيح ؛ وأرسل الله على قوم شعيب ريحاً كادت تنسفهم نسفاً فأسرع الملك ومن معه إلى منازلهم ، وآمن بشعيب خلق كثير ؛ ثم أصبح الملك ومن معه فخرجوا إلى سوقهم ، ونصبوا ما كان قد بقي عندهم من الأصنام ، وأمرهم بالسجود لها ؛ فأتاهم شعيب ونهاهم وحذرهم فلم يرجعوا إليه ، وأمر الملك أصحابه أن يقعدوا لشعيب ولمن معه كل مرصد ، ويؤذوهم أشد الأذى ؛ ثم قال الملك وقومه " لنخرجنك يا شعيب والذين

الصفحة 147