كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 151 """"""
ثم ولع بالقمار ، فعاتبته أمه ؛ فقال : كفي عني فأنا عون نفسي .
فلزمه هذا اللقب ، فكان يعرف بعون نفسه ، فقامر في بعض الأيام ، فقمروه في قميصه ، وبقي في خلق لا يستره ؛ فاستحيا من الناس أن يروه كذلك ؛ فهرب حتى صار إلى قرية من قرى مصر ؛ فعرض نفسه على بقال ، فخدمه ، وكان يضرب المشترين ويؤذيهم حتى نفروا من البقال ؛ فطردوه فعاد إلى مصر ، وكانوا يقولون : فر عون .
قال : ورجع إليها وهو لا يملك إلا درهماً واحداً ، فاشترى به بقلاً وبطيخاً وقعد يبيعه ، فجاءه عريف الطريق وطالبه بحق الطريق ؛ قال : وما هو ؟ قال : درهم . فتلاحيا ؛ فترك فرعون رحله ومضى ، وجعل يسرق وينقب ، فيهرب مرة ويؤخذ أخرى .
فاتفق أن رجلاً من العمالقة جمح به فرسه فعجز عن ضبطه ، فوثب فرعون إلى الفرس وضبطه بلجامه ؛ فقال له العمليقي : أراك جلداً قوياً . فاتخذه سائساً ؛ فجعل يخدمه حتى مات الرجل وليس له وارث ؛ فاحتوى فرعون على جميع ماله وحمله إلى أمه ، وأكل ذلك المال حتى فني ، وضاق به الأمر ، فوقع في قلبه أن يجلس على باب مقابر مصر ويطلب أرباب الجنائز بشيء ، ويظهر أنه بإذن الملك ؛ ففعل ذلك مدة حتى اجتمع له مال عظيم ؛ واتخذ له أعواناً وحفداً يعينونه على ذلك ؛ وكان الملك بعد أن أهلك الله الريان بن الوليد تتوارثه الفراعنة ؛ واستقر في سنجاب ابن الوليد ، وكان مكرماً لبني إسرائيل ، وكانوا يعبدون الله علانية ويتلون الصحف جهراً . قال : فماتت ابنة الملك ؛ فحملت إلى المقبرة ، فتعلق بها أعوان فرعون على العادة لأخذ القطيعة ؛ فاتصل الخبر بالملك ؛ فأمر بإحضاره وأراد قتله ؛ فقص عليه قصته ، وفدى نفسه بما جمعه من المال ؛ فعظم عند الملك وأقره على عمله ؛ فقرر فرعون عند ذلك على جنائز الملوك ألف درهم ، وعلى جنائز الوزراء سبعمائة والقواد خمسمائة ، ثم إلى المائة ، إلى الخمسين ، إلى عشرة ، إلى ثلاثة ؛ فاجتمع الناس إلى الملك وحرفوا رأيه عن هذه الحالة وقبحوها عليه ؛ فصرفه الملك عنها وأبطلها ؛

الصفحة 151