كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 155 """"""
والخلوة بهن ، لأنه كان قد بلغه أن المولود يكون من أقرب الناس إليه ؛ وكان عمران ممن منع ؛ وكان فرعون إذا نام لا يفارقه حتى يستيقظ ؛ فبينما عمران ذات ليلة على كرسيه عند رأس فرعون إذا هو بامرأته وقد حملت إليه على جناح ملك من الملائكة ؛ فلما نظر عمران إليها فزع وقال : ما حاجتك هاهنا ؟ فسكتت ؛ فقال له الملك : إن الله يأمرك يا عمران أن تأتي زوجتك على فراش فرعون ليكون ذلك هواناً له . فواقعها فحملت بموسى ؛ ثم اغتسلا في الحوض الذي في دار فرعون ؛ ثم حملها الملك وردها إلى منزلها ؛ وكان على باب فرعون ألف حاجب ، والأبواب مغلقة ، فلم يغن عنه ذلك ؛ ولما أصبح فرعون دخل عليه المنجمون وقالوا : إن الذي تخافه قد حملت به أمه وقد طلع نجمه . فأمر فرعون القوابل والحواضن أن يدرن على نساء بني إسرائيل ؛ ففعلن ذلك ، ولم يعبرن بيت عمران لعلمهن بملازمته لفرعون ليلاً ونهاراً ؛ فلما تمت أيامها جاءها الطلق نصف الليل ، وليس عندها إلا ابنتها ، فوضعته ووجهه يتلألأ نوراً .
ذكر خبر ميلاد موسى وما كان من أمره وإلقائه في التابوت
قال : وأصبحت أم موسى وهي شديدة الفرح به والخوف عليه ؛ وسمع فرعون في تلك الليلة هاتفاً يقول : ولد موسى وهلكت يا فرعون وتنكست الأصنام . فشدد فرعون في طلب المولود ، فكانت أمه ترضعه ، وإذا خرجت في حاجة ألقته في التنور بمهده وغطته ؛ ففعلت ذلك في بعض الأيام ، وكانت أخته قد عجنت وأرادت أن تخبز ، فسجرت التنور وهي لا تعلم أن موسى فيه ؛ وجاء هامان والدايات فدخلوا دار عمران فلم يجدوا شيئاً ، ونظروا إلى التنور والنار تعلو منه ، فانصرفوا ؛ وجاءت أم موسى فرأت الأعوان والحرس قد خرجوا من منزلها ، فكاد روحها يزهق من الغم ، فدخلت المنزل بسرعة نحو التنور ، فرأت النار فيه ؛ فلطمت وجهها وقالت : ما نفعني الحذر ، أحرقتم ولدي . وانطلقت إلى التنور فرأت موسى ولم تمسه النار ؛ فأخرجته ؛ ولما تم له أربعون يوماً فزعت عليه ، فاتخذت له تابوتاً ووضعته فيه ، وألقته في اليم ؛ وكان أبوه قد مات قبل ذلك ودفن ، فلذلك اشتد خوف أم موسى .

الصفحة 155