كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 160 """"""
قال : وكان الرعاء إذا سقوا غطوا البئر بصخرة لا يرفعها إلا جماعة ؛ فلما انصرفوا تقدم موسى إلى الصخرة فوكزها برجله ، فدحاها أربعين ذراعاً على ضعفه من الجوع وسقى غنمهما . قال الله تعالى : " فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " .
قال : فتمنى موسى في ذلك الوقت شبعة من خبز الشعير ؛ وانصرفت المرأتان إلى أبيهما وأخبرتاه بالخبر ، فأرسل إحداهما إليه وقال : ائتيني به . قال الله تعالى : " فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " .
فقام موسى ، وكانت تمر بين يديه فكشف الريح عن ساقيها ؛ فقال لها : تأخري ورائي ودليني على الطريق . فتأخرت وكانت تقول : عن يمينك تعن شمالك . حتى دخلا مدين ؛ وجاء شعيب - وهو شيخ كبير قد كف بصره - فسلم عليه ؛ فرد عليه ورحب به وسأله عن خبره . قال الله تعالى : " فلما جاءه وقص علليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين " .
ثم دعا شعيب بالطعام فأكل ؛ فقالت ابنته : يا أبت استأجره إن خير من استأجرته القوي الأمين أرادت بالقوة رفع الحجر عن رأس البئر واستقاءه بالدلو العظيمة ، وأمانته أنه أخرها إلى خلفه .
فرغب فيه وقال : إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين ، قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل .
فتزوج موسى صفورا - وهي الصغرى منهما - وطلب عصا ؛ فقالت له : ادخل بيت أبي الذي يأوي فيه فخذ عصاك . وكان فيه عصي كثيرة - فدخل موسى البيت وأخذ من العصي عصاً حمراء ؛ فقال له شعيب : هذه من أشجار الجنة أهداها الله لآدم ، ثم صارت إلى شييث وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، وكلهم توكأوا عليها ، فلا تخرجنها من يدك . ثم أوصاه وحذره من أهل