كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 161 """"""
مدين ، وقال : إنهم قوم حسدة ، وإذا رأوك قد كفيتني أمر غنمي حسدوني عليك ، فدلوك على وادي كذا وكذا ، وهو كثير المرعى ، وإنما فيه حية عظيمة تبتلع الغنم ، فإن دلوك عليه فلا تمر به ، فإني أخاف عليك وعلى غنمي .
فخرج موسى بالغنم - وكانت يومئذ أربعين رأساً - وقال في نفسه : إن من أعظم الجهاد قتل هذه الحية . وتوجه بالغنم إلى ذلك الوادي ؛ فلما قاربه أقبلت الحية إلى الغنم ، فقتلها موسى ورعى غنمه إلى آخر النهار ، وعاد إلى شعيب وأعلمه الخبر ؛ ففرح بقتلها ، وفرح أهل مدين وعظموا موسى وأجلوه ؛ وقام موسى بغنم شعيب يرعاها ويسقيها ، حتى انقضت المدة التي بينهما ، وبلغت أربعمائة رأس وعزم موسى على المسير .
ذكر خبر خروج موسى - عليه السلام - من أرض مدين ومناجاته ومبعثه إلى فرعون
قال : ولما أراد موسى الانصراف بكى شعيب وقال : يا موسى ، إني قد كبرت وضعفت ، فلا تضيعني مع كبر سني وكثرة حسادي ، وتترك غنمي شاردة لا راعي لها . قال موسى : إنها لا تحتاج إلى راع ، وقد طالت غيبتي عن أمي وخالتي وهارون أخي وأختي . فقال شعيب : إني أكره أن أمنعك . وأوصاه بابنته وأوصاها ألا تخالفه ؛ وسار موسى - عليه السلام - بأهله يريد أرض مصر حتى بلغ جانب وادي طوى في عشية شديدة البرد ؛ وجاء الليل وهبت الرياح وغيمت السماء ؛ فأنزل موسى أهله وضرب خيمته على شفير الوادي ، وأدخل أهله فيها ؛ وهطلت السماء بالمطر ؛ وكانت امرأته حاملاً ، فجاءها الطلق ، فجمع حطباً وقدح الزناد فلم يور ، فرماه وخرج من البيت ، فرأى ناراً .
قال الله تبارك وتعالى : " فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من

الصفحة 161