كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 18 """"""
الجنة صوتاً وتغريداً ، وكان يخرج ويمر في السموات يخطر في مشيته ويرجع إلى الجنة .
فلما رآه إبليس كلمه بكلام لين ، وقال : أيها الطائر العجيب الخلق الطيب الصوت ، من تكون من طيور الجنة ؟ فقال : أنا الطاوس ، فمالك أيها الشخص كأنك مرعوب تخاف من طالب يطلبك ؟ قال إبليس : أنا من ملائكة الصفيح الأعلى من زمرة الكروبيين ، وقد أحببت أن أنظر إلى الجنة وإلى ما أعد الله فيها لأهلها فهل لك أن تدخلني الجنة وأنا أعلمك ثلاث كلمات من قالها لا يهرم ولا يسقم ولا يموت ؟ فقال له : وأهل الجنة يموتون ؟ قال : نعم ويسقمون ويهرمون إلا من كانت عنده هذه الكلمات ، وحلف له على ذلك ، فوثق به الطاوس ولم يظن أحد يحلف بالله كاذباً ، فقال : ما أحوجني إلى هذه الكلمات ، غير أني أخاف أن يستخبرني رضوان عنك ، ولكني أبعث إليك بالحية فإنها سيدة دواب الجنة .
قال : وجاء الطاوس إلى الحية وهي يومئذ على صورة الجمل ، ولها زغب كالعقبرى ما بين أبيض وأحمر وأسود وأخضر ، ولها عرف من اللؤلؤ ، وذوائب من الياقوت ورائحة كرائحة المسك والعنبر ، وكان مسكنها في جنة المأوى ، وكانت تساير آدم وحواء في الجنة ، وتخبرهما بالإشجار . فلما أخبرها الطاوس بالخبر أسرعت الحية نحو باب الجنة ، فتقدم إبليس إليها وقال لها كقوله للطاوس ، وحلف لها ؛ فقالت : حسبك ، ولكن كيف أدخلك ؟ فقال : إني أرى ما بين نابيك فرجة ، وهي تسعني ، ففتحت الحية فاها ، فوثب وقعد بين نابيها ، فصار نابها إلى آخر الدهر سماً ، وضمت الحية شفتيها ، ودخلت الجنة ولم يكلمها رضوان للقضاء السابق ، فلما توسطت الجنة قالت : أخرج وعجل ، قال : إن حاجتي من الجنة آدم وحواء ، فإني أريد أن أكلمهما من فيك ، فإن لم تفعلي ذلك فما أعلمك الكلمات ، فجاءت إلى حواء فقال لها إبليس من فيها : يا حواء ، ألست تعلمين

الصفحة 18