كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 193 """"""
كان من أمرهم ما أخبر الله تعالى عنهم في قوله : " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون " فطمع السامري فيهم واغتنمها ، فلما تأخر موسى عن الميقات - وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حلي آل فرعون كما قدمنا ؛ فلما فصل موسى قال هارون لبني إسرائيل : إن حلي القبط الذي استعرتموه غنيمة ، وإنه لا يحل لكم ؛ فاجمعوه فاحفروا له حفيرة وادفنوه حتى يرجع موسى فيرى فيه رأيه . ففعلوا ذلك ، وجاءهم السامري ومعه القبضة التي قبضها من أثر حافر فرس جبريل - عليه السلام - .
قالوا : وكان لجبريل - عليه السلام - فرس أنثى بلقاء يقال لها : فرس الحياة لا تصيب شيئاً إلا حيي ؛ فلما رأى السامري جبريل على تلك الفرس عرفه وقال : إن لهذا الفرس لشأناً . وأخذ قبضة من تراب حافرها حين عبر جبريل البحر .
قالوا : وإنما عرف السامري خبر الفرس دون غيره من بني إسرائيل ، لأن فرعون لما أمر بذبح أولاد بني إسرائيل جعلت المرأة إذا ولدت الغلام انطلقت به سراً في جوف الليل إلى صحراء أو واد أو غار في جبل فأخفته ؛ فقيض الله تعالى له ملكاً من الملائكة يطعمه ويسقيه حتى لا يختلط بالناس ، وكان الذي ولي كفالة السامري جبريل عليه السلام ، فجعل يمص من إحدى إبهاميه سمناً ، ومن الأخرى عسلاً ، فمن ثم عرفه ، ومن ثم الصبي إذا جاع يمص إبهامه فيروى من المص .
نرجع إلى خبر بني إسرائيل مع السامري .
قال : فلما أمرهم هارون بجمع الحلي وجمعوه ، جاء السامري بالقبضة فقال لهارون : يا نبي الله ، أأقذفها فيه ؟ فظن هارون أنه من الحلي ، وأنه يريد بها ما يريد أصحابه ، فقال له : اقذف . فقذفها في الحفرة على الحلي ، فصار عجلاً جسداً له خوار .
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : أوقد هارون ناراً وأمرهم أن يقذفوا الحلي فيها ؛ فقذف السامري تلك القبضة فيها وقال : " كن عجلاً جسداً له خوار " . فكان كذلك للبلاء والفتنة .

الصفحة 193