كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 194 """"""
ويقال : إن الذي قال لبني إسرائيل : " إن الغنيمة لا تحل لكم " هو السامري ، فصدقوه وجمعوها ، فدفعوها إليه فصاغ منها عجلاً في ثلاثة أيام ثم قذف فيه القبضة ، فجثا وخار خورة ثم لم يعد . وقال السدي : كان يخور ويمشي ؛ فلما أخرج السامري العجل وكان من ذهب مرصع بالحجارة كأحسن ما يكون ، قال هذا إلهكم وإله موسى . فشبه السامري على أوغاد بني إسرائيل وجهالهم حتى أضلهم وقال لهم : إن موسى قد أخطأ ربه فأتاكم ربه أراد أن يريكم أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه ، وأنه لم يبعث موسى لحاجة منه إليه ، وأنه قد أظهر لكم العجل ليكلمكم من وسطه كما كلم موسى من الشجرة .
قالوا : فلما رأوا العجل وسمعوا قول السامري ، افتتنوا غير اثني عشر ألفاً وكان مع هارون ستمائة ألف ، فعكفوا عليه يعبدونه من دون الله تعالى ، وأحبوه حباً ما أحبوا مثله شيئاً قط ؛ فقال لهم هارون : يا بني إسرائيل إنما فنتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ، قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى .
فأقام هارون بمن معه من المسلمين ، وأقام من يعبد العجل على عبادته ؛ وخشي هارون إن سار بمن معه من المسلمين إلى المفتتنين الضالين أن يقول له موسى : فرقت بين بني إسرائيل .
قال راشد بن سعد : لما واعد الله تعالى موسى أربعين يوماً قال الله تعالى : يا موسى ، إن قومك قد افتتنوا من بعدك . قال : يا رب كيف يفتتنون وقد نجيتهم من فرعون ومن البحر ، وأنعمت عليهم ؟ قال : إنهم اتخذوا العجل إلهاً من دوني وهو عجل جسد له خوار . قال : يا رب من نفخ فيه الروح ؟ قال : أنا . قال : أنت - وعزتك - فتنتهم ، إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين .
قال : فلما رجع موسى من الميقات إلى قومه وقرب منهم ، سمع اللغط حول العجل وكانوا يرقصون حوله ، ولم يخبر موسى أصحابه السبعين بما أخبره به ربه

الصفحة 194