كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 196 """"""
قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين " ؛ فقال لهم موسى : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم .
قالوا : كيف نتوب ؟ قال : فاقتلوا أنفسكم ، أي يقتل البريء المجرم ، ذلكم يعني القتل خير لكم عند بارئكم .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : أبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل إلا بالحال التي كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل .
وقال قتادة : جعل الله توبة عبدة العجل القتل لأنهم ارتدوا ، والكفر مبيح للدم . وقال الكسائي : لما قال موسى لبني إسرائيل : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ، سألوه أن يتوب الله تعالى عليهم ؛ فسأل الله تعالى ، فأوحى الله تعالى إليه أنه لا توبة لهم ، لأن في قلوبهم حي العجل ، فاجمع رماد العجل وألقه في الماء وأمرهم أن يشربوا منه فإنه يظهر ما في قلوبهم على وجوههم . ففعل ذلك ؛ فلما شربوا لم يبق أحد مما في قلبه مرض إلا اصفر وجهه ولونه ورم بطنه ، ودام ذلك بهم ، فقالوا : يا موسى ، هل شيء غير التوبة الخالصة وقد أخلصنا في توبتنا حتى لو أمرتنا بقتل أنفسنا فعلنا ؟ فأوحى الله إليه : يا موسى قد رضيت بحكمهم على أنفسهم ، فقل لهم : يقتلوا أنفسهم إن كانوا صادقين في توبتهم . فقال لهم موسى ما أمرهم الله به : " فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم " فقالوا : كيف نقتل أنفسنا ؟ قال : يقوم من لم يعبد العجل إلى من عبده فيقتله . فقاموا بالسيوف والخناجر إلى الذين عبدوه وأرسل الله عليهم ظلمة فلم يبصر بعضهم بعضاً ، حتى كان الرجل يأتي إلى أخيه وأبيه وابن عمه وقرابته فيقتله وهو لا يعرفه ، ولم يعمل السلاح فيمن لم يعبد العجل حتى خاضوا في الدماء وصاح النساء والصبيان إلى موسى : " العفو يا نبي الله " فدعا موسى الله بالعفو عنهم ، فلم يعمل السلاح فيهم بعد ذلك ، وقبل الله تعالى توبتهم ، وارتفعت الظلمة عنهم .
قالوا : ثم هم موسى بقتل السامري ، فأوحى الله تعالى إليه : لا تقتله فإنه سخا ، ولكن أخرجه عن قومك ، فلعنه موسى وقال له ما أخبره الله تعالى به عنه : " قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعداً لن تخلفه "

الصفحة 196