كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 203 """"""
إسرائيل في غفلة ، وقد أردت أن أجعل لهم علماً في ثيابهم ليذكروني به إذا نظروا إلى السماء ، ويعلموا أني منزل منها كلامي . فقال موسى : يا رب أفلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم خضراً ، فإن بني إسرائيل تحقر هذه الخيوط ؟ فقال له : يا موسى ، إن الصغير من أمري ليس بصغير ، وإن لم يطيعوني في الأمر الصغير لم يطيعوني في الأمر الكبير .
قال : فدعا موسى بني إسرائيل وأعلمهم بأمر الله تعالى ؛ ففعلوا ذلك واستكبر قارون فلم يطعه ، وقال : إنما يفعل هذا الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا من غيرهم . فكان هذا أيضاً من بغيه وعصيانه .
قالوا : ولما قطع موسى البحر ببني إسرائيل جعلت الحبورة - وهي رئاسة المذبح وبيت القربان - لهارون عليه السلام ؛ وكان بنوا إسرائيل يأتون بهديهم فيدفعونه إلى هارون ، فيضعه على المذبح ، فتنزل نار من السماء فتأكله ، فوجد قارون في نفسه من ذلك ، وأتى موسى وقال له : يا موسى ، لك الرسالة ، ولهارون الحبورة ، وليس لي من ذلك شيء ، وأنا أقرأ للتوراة منكما ، لا صبر لي على هذا .
فقال موسى : والله ما أنا جعلتها في هارون ، بل الله جعلها له . فقال قارون : والله لا أصدقك في ذلك حتى تريني بينة .
قال : فجمع موسى رؤساء بني إسرائيل وقال : هاتوا عصيكم . فجاءوا بها فحزمها وألقاها في قبته التي كان يعبد الله فيها ؛ وجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا ، فأصبحت عصا هارون قد اهتز لها ورق أخضر ، وكان من شجر اللوز فقال موسى : يا قارون ، أترى هذا من فعلي ؟ قال قارون : والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر . وذهب قارون مغاضباً ، واعتزل موسى بأتباعه ؛ وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما وهو يؤذيه في كل وقت ، ولا يزداد كل يوم إلا عتواً وتجبراً ومخالفة .
ويقال : إنه بنى داراً وجعل بابها من الذهب ، وضرب على جدرانها صفائح الذهب ، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون عليه ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه .

الصفحة 203