كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ثم أنزل الله تعالى الزكاة على موسى ؛ فلما وجبت الزكاة على بني إسرائيل أتى قارون موسى فصالحه عن كل ألف دينار على دينار ، وعن كل ألف درهم على درهم ، وعن كل ألف شاة على شاة ، وعن كل ألف شيء شيئاً ، ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيراً ، فلم تسمح لذلك نفسه ، فجمع بني إسرائيل وقال لهم : يا قوم ، إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه ، وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم . فقالوا له : أنت كبيرنا وسيدنا فمر بما شئت . فقال : آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلاً على أن تقذف موسى بنفسها ، فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه فاسترحنا منه . فأتوا بها ، فجعل لها قارون ألف درهم . وقيل : ألف دينار . وقيل : طستاً من ذهب . وقيل : حكمها ؛ وقال لها : إني أمولك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى غداً إذا كان بنو إسرائيل متجمعين . فلما كان الغد جمع قارون بني إسرائيل ، ثم أتى موسى فقال : إن بني إسرائيل قد اجتمعوا ينظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم وتبين لهم أعلام دينهم وأحكامهم وأحكام شرعهم . فخرج إليهم موسى وهم في براح من الأرض ، فقام فيهم خطيباً ووعظهم ، وقال فيما قال : يا بني إسرائيل ، من سرق قطعت يده ، ومن افترى جلدناه ثمانين جلدة ، ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مائة جلدة ، وإن كانت له امرأة رجمناه حتى يموت . فقال له قارون : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا . قال : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة . قال موسى : أنا ؟ قال : نعم . قال : ادعها فإن قالت فهو كما قالت . فدعيت ؛ فلما جاءت قال لها موسى : يا فلانة ، أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء ؟ وعظم عليها وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت . فلما ناشدها موسى تداركها الله تعالى بالتوفيق وقالت : لأن أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول الله . وقالت : لا والله بل كذبوا ، ولكن جعل لي قارون جعلاً على أن أقذفك بنفسي . فلما تكلمت بهذا سقط في يد قارون ونكس رأسه ، وسكت الملأ وعرف قارون أن قد وقع في مهلكة ، وخر موسى ساجداً لله تعالى . وقال الكسائي في قصة هذه المرأة : إن قارون بعث إلى امرأة فاسقة كان موسى قد نفاها من عسكره ، فقال لها : إني أريد أن أتزوج بك وأنقذك من هذا الفقر إن