كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 205 """"""
عملت ما أقول . قالت : وما هو ؟ قال : إذا اجتمع بنوا إسرائيل عندي فاحضري وقولي : إن موسى دعاني إلى نفسه فلم أطاوعه ، فأخرجني من عسكره فانصرفت ودخلت على قارون من الغد - وقد اجتمع بنوا إسرائيل عنده - فقالت : يا بني إسرائيل ، هذا ما لقي الأخيار من الأشرار ؛ اعلموا أن قارون دعاني بالأمس وقال لي كذا وكذا ، وأمرني أن أكذب على نبي الله موسى ؛ وكذب قارون إنما أخرجني موسى من عسكره لفسادي ، وقد تبت إلى الله تعالى من ذلك . فلما سمع قارون ذلك ندم ، ولامه بنو إسرائيل ، وبلغ موسى الخبر فغضب ودعا قارون .
قالوا : وجعل موسى يبكي ويقول : يا رب إن عدوك هذا قد آذاني وأراد فضيحتي ، اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي وسلطني عليه . فأوحى الله تعالى إليه : ارفع رأسك وأمر الأرض بما شئت تطعك . فقال موسى : يا بني إسرائيل إن الله قد بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون ، فمن كان معه فليثبت مكانه ومن كان معي فليعتزل عنه . فاعتزل بنو إسرائيل قارون ولم يبق منهم إلا رجلان ثم قال موسى : يا أرض خذيهم . فأختهم إلى كعابهم . ثم قال : يا أرض خذيهم . فأخذتهم إلى ركبهم . ثم قال : يا أرض خذيهم . فأخذتهم إلى حقيهم . ثم قال : يا أرض خذيهم . فأخذتهم إلى أعناقهم وقارون وصاحباه في كل ذلك يتضرعون إلى موسى ويناشدونه ؛ حتى روى بعض الأخبار : أنه ناشده سبعين مرة وموسى في جميع ذلك لا يلتفت إليه ، لشدة غضبه عليه . ثم قال : يا أرض خذيهم . فانطبقت عليهم الأرض ؛ فأوحى الله إلى موسى : استغاثوا بك سبعين مرة فلم ترحمهم ولم تغثهم ، أما وعزتي وجلالي لو إياي دعوا لوجدوني قريباً مجيباً .
قال قتادة : ذكر لنا أن الله تعالى يخسف بهم في كل يوم قامة ، وأنه يتخلخل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة .
قالوا : فلما خسف الله تعالى بقارون وصاحبيه أصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم : إن موسى دعا على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله . فدعا موسى حتى خسف الله تعالى بدار قارون وأمواله الأرض ؛ وأوحى الله تعالى إلى موسى : أني لا أعبد الأرض لأحد بعدك أبداً ؛ فذلك قوله تعالى : " فخسفنا به وبداره الأرض فما

الصفحة 205