كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 211 """"""
هاربة في الفلاة ، وغاب الراعي ، فدعا الفتى باسم إله إبراهيم ، فرجعت إليه وقالت : أيها الفتى البار بوالدته ، ألم تر إلى الطائر الذي طار ، إنه إبليس عدو الله اختلسني ، أما إنه لو ركبني ما قدرت علي أبداً ، فلما دعوت بإله إبراهيم جاء ملك وانتزعني من يد إبليس وردني إليك لبرك بأمك وطاعتك لها . فجاء بها الفتى إلى أمه ، فقالت له أمه : إنك فقير لا مال لك ويشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل ، فانطلق فبع هذه البقرة وخذ ثمنها . قال : بكم أبيعها ؟ قالت : بثلاثة دنانير ، ولا تبعها بغير رضاي ومشورتي . فكان ثمن البقرة في ذلك الوقت ثلاثة دنانير ، فانطلق بها الفتى إلى السوق فبعث الله - عز وجل - ملكاً ليرى في خلقه قدرته ، وليخبر الفتى كيف بره بوالدته ، وكان الله تعالى به خبيراً ؛ فقال له الملك : بكم تبيع هذه البقرة ؟ قال : ثلاثة دنانير ، وأشترط عليك رضا والدتي . فقال له الملك : فأنا أعطيك ستة دنانير ولا تستأمر أمك . فقال الفتى : لو أعطيتني وزنها ذهباً لم آخذه إلا برضا أمي . فردها إلى أمه ، وأخبرها الخبر ، ارجع فبعها بستة دنانير على رضا مني فانطلق بها إلى السوق ، وأتى الملك ، فقال : استأمرت والدتك ؟ فقال الفتى : إنها أمرتني ألا أنقصها عن ستة دنانير على أن أستأمرها . فقال الملك : فإني أعطيك اثني عشر ديناراً على ألا تستأمرها . فأبى ورجع إلى أمه فأخبرها بذلك ؛ فقالت : إن ذلك الرجل الذي يأتيك هو ملك من الملائكة يأتيك بصورة آدمي ليختبرك ، فإذا أتاك فقل له : أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا ؟ ففعل الفتى ذلك ؛ فقال له الملك : اذهب إلى أمك فقل لها : أمسكي هذه البقرة ، فإن موسى بن عمران يشتريها منكم لقتيل يقتل من بني إسرائيل ، فلا تبيعوها إلا بملء مسكها دنانير . فأمسكوا البقرة ، وقدر الله على بني إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها مكافأة له على بره بأمه ؛ وذلك أنه وجد قتيل في بني إسرائيل اسمه عاميل ولم يدر قاتله .
واختلفوا في قاتله والسبب في قتله ؛ فقال عطاء والسدي : كان في بني إسرائيل رجل كثير المال ، وله ابن عم مسكين لا وارث له غيره ، فلما أبطأ عليه موته قتله ليرثه .
قال : وقال بعضهم : كان تحت عاميل بنت عم له تضرب مثلاً في بني إسرائيل بالحسن والجمال ، فقتله ابن عمها لينكحها .

الصفحة 211