كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 226 """"""
وجعل الرجل يقول لأصحابه : تعالوا نجعل علينا رأساً وننصرف إلى مصر ؛ فذلك قوله تعالى إخباراً عنهم : " يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون " . فلما قالوا ذلك وهموا بالانصراف إلى مصر ، خر موسى وهارون - عليهما السلام - سجداً ، وخرق يوشع وكالب ثيابهما ، وهما اللذان أخبر الله تعالى عنهما بقوله : " قال رجلان من اللذين يخافون أنعم الله عليهما " ، أي يخافون الله .
وقرأ سعيد بن جبير " يخافون " بضم الياء .
قال : كانا من الجبارين ، فأسلما واتبعا موسى . : أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذ دخلتموه فإنكم غالبون " ، لأن الله تعالى منجز وعده ، وإنا أتيناهم فكانت أجسامهم عظيمة قوية ، وقلوبهم ضعيفة ، فلا تخشوهم ، وعلى الله فتوكلوا إن كنت مؤمنين . فأراد بنو إسرائيل أن يرجموهما بالحجارة ، وقالوا : يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون .
فلما قالوا ذلك غضب موسى وقال : رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين . وكانت عجلة عجلها موسى - عليه السلام - فظهر الغمام على قبة الزمان ، وأوحى الله تعالى إلى موسى : إلى متى يعصيني هذا الشعب ، وإلى متى لا يصدقون بالآيات ؟ لأقتلنهم جميعاً ، ولأجعلن بدلهم شعباً أشد وأكثر منهم .
قال موسى : إلهي لو أنك قتلت هذا الشعب كله كرجل واحد قالت الأمم الذين سمعوا : إنما قتل هذا الشعب من أجل أنه لم يستطع أن يدخلهم الأرض المقدسة ، فقتلهم في البرية ، وإنك طويل صبرك ، كثيرة نعمك ، وأنت تغفر الذنوب ، وتحفظ الآباء على الأبناء وأبناء الأبناء ، فاغفر لهم ولا توبقهم .
قال الله تعالى : قد غفرت لهم بكلمتك ، ولكن بعدما سميتهم فاسقين ودعوت عليهم ، لأحرمن عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدي يوشع وكالب ولآتيهنهم في هذه البرية أربعين سنة ، ولتلقين جيفهم في هذه القفار ؛ وأما بنوهم الذين لم يعملوا الخير والشر فإنهم يدخلون الأرض المقدسة ، فذلك قوله تعالى : " قال فإنها محرمة