كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 230 """"""
وعليهم موسى رسولي ، ولا تخرج إليهم . فقال بلعم لرسل الملك : إن ربي قد منعني من ذلك ، فانصرفوا وعرفوا الملك .
وكان لبلعم امرأة ، فأهدى لها الملك هدية نفيسة ، وسألها أن تكلم زوجها في التوجه مع الملك ؛ فسألته ؛ فقال : قد استأذنت ربي فنهاني . فلم تزل به حتى استأذن الله ثانياً ؛ فأوحى الله إليه : إني نهيتك عن ذلك ، والآن قد جعلت الأمر إليك . فطابت نفسه بالخروج مع الملك . حكاه الكسائي . وقال الثعلبي في تفسيره ، وعزاه إلى ابن عباس وابن إسحاق والسدي وغيرهم : إن موسى - عليه السلام - لما قصد حرب الجبارين ونزل أرض كنعان من أرض الشام ، أتى قوم بلعام - وكان عنده اسم الله الأعظم - فقالوا : إن موسى رجل حديد ، ومعه جنود كثيرة ، وإنه قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل ، وإن قومك وبنو عمك ، وليس لنا منزل ، وأنت رجل مجاب الدعوة فاخرج وادع الله أن يرد عنا موسى وقومه . فقال : ويلكم هو نبي الله ومعه الملائكة والمؤمنين ، كيف أدعو عليهم وأنا أعلم من الله ما أعلم ؟ وإني إن فعلت ذلك ذهبت دنياي وآخرتي فراجعوه في ذلك ، فقالوا : حتى أؤامر ربي . - وكان لا يدعو حتى ينظر ما يؤمر به في المنام - فأمر في الدعاء عليهم ، فقيل له في المنام : لا تدع عليهم . فقال لقومه : إني قد نهيت عن الدعاء عليهم فأهدوا إليه هدية فقبلها ، ثم راجعوه في الدعاء عليهم ، فقال : حتى أؤامر . فآمر فلم يجر إليه شيء فقال : قد آمرت فلم يجر إلي شيء . فقالوا : لو كره ربك أن تدعو عليهم لنهاك كما نهاك في المرة الأولى . فلم يزالوا به يرفقونه ويتضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن ؛ فركب أتانا له متوجها إلى جبل يطلعه على عسكر بني إسرائيل يقال له : " حبان " ؛ فلما سار عليها غير كثير ربضت ، فنزل عنها فضربها ، حتى إذا آلمها قامت ، فركبها فلم تسر به كثيراً حتى ربضت ، فنزل عنها وضربها حتى إذ آلمها إذن لها بالكلام ، فتكلمت حجة عليه ، فقالت : ويحك يا بلعم ، أين تذهب ؟ ألا ترى الملائكة أمامي يردونني عن وجهي هذا ؟ تذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم ؟ فلم ينزع عنها ؛ فخلى الله سبيلها ؛ فانطلقت حتى إذا أشرفت به على جبل " حبان " جعل يدعوا عليهم ، فلا يدعو بشر إلا صرف به لسانه إلى قومه ؛ ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل ؛ فقال قومه : يا بلعم أتدري ما تصنع ؟ إنما تدعو لهم

الصفحة 230