كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 231 """"""
وتدعو علينا . قال : فهذا ما لا أملك . واندلع لسانه فوقع على صدره ، فقال لهم : قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة ، ولم يبق إلا المكر والحيلة ، فسأمكر لكم وأحتال ، جملوا النساء وزينوهن وأعطوهن السلع ، ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه ، ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها ؛ فإنهم إن زنى منهم رجل واحد كفيتموهم . ففعلوا ؛ فلما دخل النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيين اسمها كستى بنت صعور برجل من عظماء بني إسرائيل يقال له : زمزي بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام - فقام إليها فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها ؛ ثم أقبل حتى وقف على موسى فقال له : إني أظنك ستقول : هذه حرام عليك . قال موسى : أجل ، هي حرام عليك ، لا تقربها . قال : فوالله لا نطيعك في هذا . ثم دخل بها قبته فوقع عليها فأرسل الله فأرسل الله تعالى الطاعون على بني إسرائيل في الوقت ؛ وكان فنحاص بن العيزار ابن هارون صاحب أمر موسى رجلاً قد أعطى بسطة في الخلق وقوة البطش وكان غائباً حين زمزي بن شلوم ما صنع ، فجاء والطاعون يجوس في بني إسرائيل فأخبر الخبر ، فأخذ حربته ، وكانت كلها من حديد ، ثم دخل عليهما القبة وهما مضطجعان فنظمهما بحربته ، ثم خرج بهما رافعاً حربته إلى لحيته - وكان بكر العيزار - وجعل يقول : اللهم هكذا تفعل بمن يعصيك ؛ ورفع الطاعون ، فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون - فيما بين أن أصاب المرأة إلى أن قتله فنحاص - فوجدوه وقد أهلك منهم سبعين ألفاً في ساعة واحدة من النهار .
قال : فمن هناك يعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحة ذبحوها الخاصرة والذراع واللحية ، لاعتماده بالحربة على خاصرته ، وأخذه إياها بذراعه ، وإسناده إياها إلى لحيته ، والبكر من كل أموالهم وأنفسهم ، لأنه كان بكر العيزار بن هارون .

الصفحة 231