كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 24 """"""
على آدم يوم أهبط إلا ورقة من أوراق الجنة ، فذرتها الرياح في بلاد الهند فصارت معدناً للطيب .
وأخذ آدم في البكاء مائة عام حتى نبت من دموعه العود والزنجبيل والصندل والكافور وأنواع الطيب ، وامتلأت الأودية بأطيب الأشجار ، وبكت حواء فنبت من دموعها القرنفل والأفاويه ؛ وكانت الريح تحمل كلامه إليها وكلامها إليه .
ثم أنبت الله - عز وجل - لآدم الشعر واللحية ، وكان قبل ذلك أمرد وجسده كالفضة ، فتألم لذلك ألماً شديداً .
قال وهب : أول من علم بهبوط آدم من حيوان الأرض النسر ، وكان قد ألف الحوت ، فجاء إليه وقال له : إني رأيت اليوم خلقاً عظيماً ينقبض وينبسط ، ويقوم ويقعد ، ويجيء ويذهب ، فقال الحوت : إن كان ما تقوله حقاً فقد حان إلا يكون لي معه مقترفي البحر ولا لك في البر ، وهذا الوداع بيني وبينك . فجاء النسر إلى آدم وألفه ، وجاءه الوحش والطير وألفوه وبكوا لبكائه دهراً طويلاً ، فلما أضجرهم ذلك نفروا عنه ولم يبق عنده إلا النسر وحده وهو لا يفتر عن البكاء .
قال وهب : بكى آدم حتى بكت الملائكة لبكائه وقالوا : " إلهنا أقله عثرته " .
قال : وبقي من دموعه في الأرض - بعد أن كف عن البكاء - ما شربه الوحش والطير والهوام مائة عام ؛ وكان لدموعه رائحة كالمسك ، ولذلك كثر الطيب في الهند .
وقال كعب : بكى آدم ثلاثمائة عام لا يرفع رأسه إلى السماء وهو يقول : " إلهي بأي وجه أنظر إلى السماء " فألهم الله سائر الحيوانات أن تأتي لآدم وتعزيه في مصيبته ، فعزاه جميعها ونهته عن البكاء ، وأمرته بالتسبيح والتقديس .

الصفحة 24