كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 25 """"""
ذكر توبة آدم عليه السلام
قال : فعند ذلك أمر الله تعالى جبريل أن يهبط على آدم ، وقال له : " إن آدم بديع فطرتي وقد أبكى أهل سمواتي وأرضي ، ولا يذكر غيري ، ولم يخف سواي ، وهو أول من حمدني ، وأول من دعاني بأسمائي الحسنى ، وأنا الرحمن الذي سبقت رحمتي غضبي ، وهذه الكلمات قد خصصت بها آدم لتكون له توبة ، وتخرجه من الظلمات إلى النور " .
فهبط عليه جبريل بالكلمات ولها نور عظيم ، وقال : " السلام عليك يا طويل البكاء والحزن " ؛ فلم يسمعه آدم لغليان صدره ؛ فناداه بصوت رفيع : السلام عليك يا آدم . وأمر جناحه على صدره ووجهه حتى هدأ من بكائه ، وسمع الصوت فقال : أبنداء السخط تنادي ، أم بنداء الإحسان والغفران ؟ قال : بل بنداء الرحمة والغفران ، يا آدم : لقد أبكيت ملائكة السموات والأرض ، فدونك هذه الكلمات ، فإنها كلمات الرحمة والتوبة .
قال كعب : كانت الكلمات ما قالها يونس في ظلمات ثلاث : " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - كانت : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " .
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : كانت " لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، عملت سوءاً وظلمت نفسي فتب علي يا خير التوابين " .
قال الله تعالى : " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم قال : فلما قالها آدم انتشر صوته في الأفاق ، فقالت الأرض والشجر والجبال : " أقر الله عينك يا آدم ، وهناك الله بتوبتك " . وأمره الله أن يبعث بالكلمات إلى حواء ؛ فحملتها الريح إليها ، فقالتها ، فتاب الله عليها . قال : ولما فرغ آدم من الدعاء والسجود قال له جبريل : ارفع رأسك ، فرفعه وإذا قد رفع له حجاب النور ، وفتحت له السموات ، ونودى بالتوبة والرضوان وقيل له : يا آدم ، إن الله قد قبل توبتك . فذهب ليقوم فلم يقدر لأنه كان قد رسب في الأرض

الصفحة 25