كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 27 """"""
أنا أول من يشهد لك بالتوحيد ، ويقر لك بالعبودية ، وأشهد أني عبدك ورسولك . فهو ( صلى الله عليه وسلم ) أول الأنبياء في الخلق ، وآخرهم في البعث ، وفي ذلك من الحكمة الإلهية والقدرة الربانية ما لم يخف على ذي لب وفهم ، وليس هذا موضع ذكر ذلك . ثم أجابت الطبقة الثانية من النبيين والمرسلين نبيناً بعد نبي في نورهم وبهائهم ، ثم خرجت زمرة من المؤمنين بيض الوجوه ، معلنين بالتوحيد ، فوقفوا دون النبيين .
ثم مسح الله مسحة أخرى فخرج قابيل بن آدم مبادراً وقد تبعه أهل الشمال فوقفوا ذات الشمال كلهم سود الوجوه . ثم قيل لآدم : " انظر إلى ولدك هؤلاء لتعرفهم بأسمائهما وأزمانهم " فنظر إلى أهل اليمن فضحك منهم ، وبارك عليهم ؛ ونظر إلى أهل الشمال فلعنهم وصرف وجهه عنهم ؛ ثم استنطقهم الله تعالى فقال : " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا " وأقررنا .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : أما أهل اليمن فأجابوا بالسرعة ، وأما أهل الشمال فأجابوا بالتثاقل . قال الله تعالى : " يا ملائكتي اشهدوا على ذرية آدم بأنهم أقروا أني ربهم لا يجحدونني شيئاًن ، وأن آدم قد بارك على أهل يمينه ، ولعن أهل شماله ، فأهل اليمين في جنتي برحمتي ، وأهل الشمال في النار بما جحدوا من حقي " .
ثم ردهم الله إلى ظهره كما أخرجهم بقدرته .
قال وهب : وإذا كان يوم القيامة وحشر الخلق لفصل القضاء قيل : يا آدم ، " ابعث بعث الجنة إلى الجنة ، وبعث النار إليها " . فيعرفهم بصورهم وأسمائهم ؛ فيقول : " نعم يا رب " ؛ ويراهم كما رآهم في الذرية ، ويقبل عليهم بوجهه ويقول : أنسيتم عهد ربكم وشهادتكم له بأنه الله الواحد الأحد ؟ فيقولون ما أخبرنا الله تعالى به عنهم : " إنا كنا عن هاذ غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم " يعنون قابيل بن آدم ، لأنه أول من عصى ربه ؛ ثم يقولون : " ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين " يعنون إبليس وقابيل ؛ فيقبض آدم بشمائله من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار ، وواحداً بيمنه إلى الجنة ؛ ثم يقول : يا رب هل وفيت ؟ فيقال له : نعم ادخل الجنة برحمتي .

الصفحة 27