كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 29 """"""
بإذن الله عين ماء معين ؛ فكبر آدم وحواء ، وهمت أن تشرب فمنعها وقال : " حتى يأذن لي ربي " . فاغتسلت حواء ؛ وكان في ذوائبها بقية من مسك الجنة ، ففاحت الدنيا .
ذكر أبناء آدم وزرعه وحرثه
قال : ثم أوحى الله تعالى إلى آدم : " أنك إن لم تعمر هذه الدنيا لم يعمرها أحد من أولادك ، فاعمرها " . فبنى له مسكناً يأوي إليه هو وحواء ؛ ثم أخذ بعد ذلك في الحرث والزرع وحفر الآبار ؛ وجاءه جبريل بالحبة وهي على قدر بيض النعام ، بيضاء في لون الثلج وأحلى من العسل ؛ وجاءه بثورين من ثيران الفردوس وجاءه بالحديد ، فلما نظر آدم إلى الحب صاح صيحة عظيمة ، وقال : مالي ولهذا الحب الذي أخرجني من الجنة .
قال : " هذا رزقك في الدنيا ، لأنك اخترته في الجنة ، فهو غذاء لك ولذريتك " .
ثم قال له جبريل : يا آدم ، قم فكن حراثاً زراعاً ، وأتاه بالنار وقد غمسها في سبعين ماء حتى اعتدلت وكمنت في الحديد والحجر ، وأمره أن يوقد النار ويلين الحديد ، ويتخذ منه مطرقة وسدانا ، ففعل ؛ ثم اتخذ مدية يذبح بها ، وفأساً يحفر بها ويكسر ، ومحراثاً يحرث به الأرض ، ونيرا ؛ كل ذلك وجبريل يعلمه .
قال وهب : أول ما اتخذ آدم من الحديد سندان ومطرقة وكلبتان ؛ ثم اتخذ بعد ذلك آلة التجارة ، وأتاه جبريل بكبش من الجنة ، فنحره آدم ، وأكل هو وحواء من لحمه ، واتخذا مقراضاً فجزا به الصوف من الكبش ، وغزلاه ، واتخذا منه جبتين بغير كمين ، وكساءين ، فاكتسى كل واحد منهما جبة وكساء ، فلما مست جلدهما خشونة الصوف بكيا شوقاً إلى السندس والإستبرق ؛ فقيل لهما : " هذا لباس أهل الطاعة في الدنيا " . وجيء بالأشجار التي ذكرناها في الفن الرابع من هذا الكتاب ، وهو فن النباتات ؛ وقد قدمنا ذكرها فيما سلف منه .
وعن كعب أن الذي جاء بالحب ميكائيل ، لأنه الموكل بالحب والقطر والنبات .

الصفحة 29