كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
قال : فلما نزلت هذه الحروف علمها آدم لولده ، فتوارثها ولده ، إلى أن بعث الله تعالى إدريس ، وأنزل عليه خمسين صحيفة ، وأنزل عليه هذه الحروف .
ذكر قتل قابيل هابيل
قال : ودعا آدم ابنيه هابيل وقابيل - وكان يحبهما من بين أولاده - فذكر لهما ما كان من أمره ودخوله الجنة ، وسبب خروجه ، وغير ذلك ، ثم أمرهم أن يقربا قرباناً ، وكان هابيل صاحب غنم ، وقابيل صاحب زرع ، فأخذ هابيل من غنمه كبشاً سميناً لم يكن في غنمه خير منه ، فجعله قرباناً ؛ وأخذ قابيل من زرعه أدناه فقربه ؛ فنزلت من السماء نار بيضاء لا حر ولا دخان فيها ، فأحرقت قربان هابيل ، ولم تحرق قربان قابيل ، فداخله الحسد من ذلك ، وقال : إن أولاد هذا تفتخر على أولادي من بعدي ، فوالله لأقتلنه . قال الله تعالى : " واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم تقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين " .
قال : ثم رجعا من منى - وهو موضع القربان - يريدان أباهما وهابيل أمام قابيل ؛ إلى حجر فضرب به رأس أخيه هابيل فقتله ، ثم مر على وجهه هارباً . قال الله تعالى : " فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين " ؛ وإذا هو بغرابين قد اقتتلا ، فقتل أحدهما الآخر ، وجعل يبحث في الأرض برجليه حتى حفر حفرة ودفن فيها المقتول ؛ فقال قابيل في نفسه ما أخبر الله تعالى به عنه : " يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين " .
فلما أبطآ على آدم خرج في طلبهما ، فأصاب هابيل مقتولاً ، فساءه ذلك واغتم غماً شديداً ، وكانت الأرض لما شربت دمه تغيرت الأشجار عن نضارتها ، فيقال : إن آدم قال :
تغيرت البلاد ومن عليها . . . فوجه الأرض مغبر قبيح