كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 36 """"""
وأطباق السموات وأوراق شجرة طوبى ؛ فهذه وصيتي إليك . ثم نزع خاتمه من إصبعه ودفعه إليه ، وتسلم منه التابوت ، ثم قال له : إنه الله سيعطيك ثوب المجاهدة ، فحارب أخاك قابيل ، فإن الله تعالى ينصرك عليه . وكان شيث حين الوصية إليه ابن أربعمائة سنة ، فأطاعه أولاد أبيه ، وصار إليه الفرس الميمون ، وكان أغر وحجلاً إذا صهل أجابته الدواب كلها بالتسبيح .
ذكر قتال شيث قابيل
قال : ثم أمر الله تعالى شيث بن آدم بقتال قابيل ، وكان قابيل قد اعتزل في ناحية من الأرض ، فعمرها ، وخدع أختاً له فأحبها ، ورزق منها أولاداً كثيرة فسار إليه شيث بجميع أولاده ، وتقلد سيف أبيه ، وكان بين يديه عمود من الياقوت تحمله الملائكة يضيء بالليل والنهار ، وسار وقد أحدقت به الملائكة ؛ فتوجه إبليس إلى قابيل وأعلمه خبر أخيه ، فتأهب للقائه وقد داخله الفزع ؛ ثم جاء شيث فقابله ، فاقتتلا ، فانكب قابيل على وجهه ، فأخذه شيث أسيراً ، وأسر جماعة من أولاده .
ثم أقبلت الملائكة إلى قابيل فسلكوه في سلسلة من سلاسل جهنم ، وغلوا يد إلى عنقه ، وساقوه بين يدي شيث مهاناً وهو يقول : يا شيث احفظ الرحم بيني وبينك . فقال : لا رحم بيننا بعد أن قتلت أخاك ظلماً .
ثم أمر شيث الملائكة فساقوه مغلولاً إلى عين الشمس بالمغرب ، فلم يزل مواجهاً للشمس حتى مات كافراً ، وصارت ذريته عبيداً وإماء لشيث وأولاده .
ثم أخذ شيث بعد ذلك في عمارة المدن حتى بنى نيفاً على ألف مدينة في كل مدينة منارة ينادي عليها : " لا إله إلا الله ، آدم صفوة الله ، محمد رسول الله " . وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هو وأولاده ، حتى عمرت الدنيا ، وأنزل الله تعالى على شيث خمسين صحيفة ، فكانوا يقرأونها ويعملون بما فيها من غير عداوة ولا تباغض ولا تحاسد ولا فسق بينهم ؛ وكان إبليس يحسد شيثاً وأولاده ، فأقبل إبليس إليه في صورة امرأة حسناء ، فقال لها : من أنت ؟ قالت : امرأة أرسلني الله إليك لتتزوج بي ، ولست من بنات آدم . فقال : إن ربي لم يأمرني بذلك ولا أخبرني

الصفحة 36