كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 38 """"""
مشتغلاً بالعبادة ومجالسة الصالحين حتى بلغ فانفرد للعبادة ، فجعله الله تعالى نبيناً ، وأنزل عيه ثلاثين صحيفة ، وورثه صحف شيث وتابوت آدم .
وكان يعيش من كسب يديه ؛ وكان خياطاً ، وهو أول من خاط الثياب ولبسها وكانوا قبل ذلك يلبسون الجلود ، حتى أتت عليه أربعون سنة ، فبعثه الله تعالى إلى أولاد قابيل ، وكانوا جبابرة ، وقد اشتغلوا باللهو والغناء والمزامير والطنابير وغير ذلك ، وعبدوا الأصنام ؛ وكان إدريس يدعوهم ثلاثة أيام ، ويعبد الله أربعة .
وحكى عن وهب أنه أول من اتخذ السلاح ، وجاهد في سبيل الله ، ولبس الثياب ، وأظهر الأوزان والأكيال ، وأنار علم النجوم .
وكان إدريس شديد الحرص على دخول الجنة ، وكان قد رأى في الكتب أنه لا يدخلها أحد دون الموت ، فبينما هو يسبح في عبادته إذ عرض له ملك الموت في صورة رجل في نهاية الجمال ؛ فقال له إدريس : من أنت ؟ قال : عبد من عبيد الله أعبده كعبادتك . وأصطحبا ، فكان إدريس يأكل من رزق الله ، وهو لا يطعم شيئاً ؛ فسأله عن ذلك ؛ فأخبره أنه ملك الموت ؛ فقال له : جئت لقبض روحي ؟ قال : لا ، ولو أمرني الله بذلك ما أمهلتك ، ولكنه أمرني أن أصطحبك . فسأله إدريس أن يقبض روحه ؛ فقال له : وما تريد بذلك وللموت كرب عظيم ؟ قال : لعل الله تعالى يحييني فأكون أكثر في عبادته . فأمره الله بقبض روحه فقبضها ، وأحياه الله تعالى لوقته . ثم قال إدريس له بعد حين : هل تستطيع أن تقفني على جهنم ؟ قال : ما حاجتك إلى ذلك ولها من الأهوال ما لا تطيق أن تنظر إليه ، ومالي سبيل إلى ذلك ، ولكني أقفك على طريق مالك خازنها ، والله أعلم بحاجتك . فاحتمله ووقفه على طريق مالك ، فلما رآه كشر في وجهه ، فكادت روحه تخرج ، فأوحى الله عز وجل إلى مالك : وعزتي وجلالي لا رأى عبدي إدريس بعد كشرتك سوءاً ، إرجع إليه وقفه على شفير جهنم ليرى ما فيها . فوقفه مالك على شفيرها ونظر إلى ما فيها من الأهوال ، فلولا أن ثبته الله تعالى لصعق ؛ ثم أعاده إلى مكانه ، فاحمله ملك الموت إلى الأرض ، فعبد الله عز وجل حيناً ؛ ثم قال لملك الموت . هل لك أن تدخلني الجنة