كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
ليسأله ، فكان مما سأله أن قال : أخبرت أنك أكرم الملائكة عند ملك الموت وأمكنهم عنده ، فاشفع لي إليه أن يؤخر أجلي فأزداد شكراً وعبادة . فقال الملك : لا يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها . قال إدريس : قد علمت ذلك ، ولكنه أطيب لنفسي . قال : نعم أنا مكلمه لك ، فما كان يستطيع أن يفعل لأحد من بني آدم فهو فاعله لك . ثم حمله ملك الشمس على جناحه ، فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس ؛ ثم أتى ملك الموت ، فقال : لي إليك حاجة . قال : أفعل كل شيء أستطيعه . فقال له : صديق لي من بني آدم يتشفع بي إليك أن تؤخر أجله . فقال : ليس ذلك إلي ، ولكن إن أحببت أعلمه أجله من يموت فيتقدم في نفسه . قال : نعم . فنظر في ديوانه ، فأخبره باسمه ، فقال : إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبداً . ثم قال : إني لأجده يموت عند مطلع الشمس قال : فإني أتيتك وتركته هناك . قال : فانطلق فإنه قد مات ، فوالله ما بقي من أجل إدريس شيء . فرجع الملك فوجده ميتاً . قال : وقال وهب : كان يرفع له في كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لأهل الأرض في زمانه . فعجبت منه الملائكة ، فاشتاق إليه ملك الموت ، فاستأذن الله تعالى في زيارته ، فأذن له ، فأتاه في صورة غلام ؛ وكان إدريس يصوم الدهر كله فلما كان في وقت إفطاره دعاه إلى الطعام ، فأبى أن يأكل معه ، وفعل ذلك ثلاث ليال ، فقال له إدريس في الليلة الثالثة : إني أريد أن أعلم منن أنت . قال : أنا ملك الموت ، استأذنت ربي أن أزورك وأن أصاحبك ، فأذن لي في ذلك . فقال إدريس : فلي إليك حاجة . قال : وما هي ؟ قال : اقبض روحي ؛ فأوحى الله تعالى فأوحى الله تعالى إليه : " اقبض روحه " . ففعل ، ثم ردها الله تعالى إيه بعد ساعة ، فقال له ملك الموت : فما الفائدة في سؤالك قبض الروح ؟ قال : لأذوق كرب الموت وغمه فأكون له أشد استعداداً .
ثم قال : لي إليك حاجة أخرى ، قال : وما هي ؟ قال : ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجنة والنار . فأذن الله تعالى له في ذلك ، فلما قرب من النار قال : لي إليك حاجة . قال له : وما تريد ؟ قال : تسال مالكاً حتى يفتح لي أبوابها فأردها . ففعل ؛ ثم قال له إدريس : فكما أريتني النار فأرني الحنة . فذهب إلى الجنة فاستفتح ، ففتحت له أبوابها ، فأدخله الجنة ؛ فقال له ملك الموت : اخرج منها لتعود إلى مفرك . فتعلق بشجرة وقال : لا أخرج منها . فبعث الله تعالى ملكاً حكماً بينهما ؛ فقال له الملك :